تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

{ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد ، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود ، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب ، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره ، وإبطال كيده ، ويدخل في الحاسد العاين ؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع ، خبيث النفس ، فهذه السورة ، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور ، عمومًا وخصوصًا .

ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره ، ويستعاذ بالله منه [ ومن أهله ] .

   
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

{ ومن شر حاسد إذا حسد } إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه ، فإنه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود ؛ بل يخص به لاغتمامه بسروره ، وتخصيصه ؛ لأنه العمدة في إضرار الإنسان ؛ بل الحيوان غيره ، ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور ، وما يضاهيه كالقوى وبالنفاثات النباتات ، فإن قواها النباتية من حيث أنها تزيد في طولها وعرضها وعمقها كانت تنفث في العقد الثلاثة ، وبالحاسد الحيوان ، فإنه إنما يقصد غيره غالبا طمعا فيما عنده ، ولعل إفرادها من عالم الخلق ؛ لأنها الأسباب القريبة للمضرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد أنزلت علي سورتان ما أنزل مثلهما ، وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما " ، يعني المعوذتين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

وقوله تعالى : { ومن شر حاسد إذا حسد } قال قتادة : من شر عينه ونفسه ، يريد بالنفس السعي الخبيث والإذاية كيف قدر ؛ لأنه عدو مجد ممتحن ، وقال الشاعر :

كل العداوة قد ترجى إماتتها *** إلا عداوة من عاداك من حسد{[12041]}

وعين الحاسد في الغالب لاقفة ، نعوذ بالله عز وجل من شرها ، قال الشاعر :

وإذا أراد الله نشر فضيلة *** طويت أتاح لها لسان حسود{[12042]}

والحسد في الاثنتين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسد مستحسن غير ضار : ، وإنما هو باعث على خير{[12043]} .

وهذه السورة خمس آيات ، فقال بعض الحذاق : هي مراد الناس بقولهم للحاسد إذا نظر إليهم : الخمس على عينيك ، وقد غلطت العامة في هذا ، فيشيرون بالأصابع لكونها خمسة .

وأمال أبو عمرو [ حاسد ] ، والباقون يفتحون الحاء ، وقال الحسن بن الفضل : ذكر الله تعالى الشرور في هذه السورة ، ثم ختمها بالحسد ليظهر أنه أخس طبع .

كمل تفسير سورة الفلق والحمد لله رب العالمين .


[12041]:البيت مشهور، ذكره ابن قتيبة في كتاب الطبائع من (عيون الأخبار) ولم ينسبه.
[12042]:قال هذا البيت حبيب بن أوس الطائي –أبو تمام- من قصيدة يمدح بها عبد الله بن أبي دؤاد، وهو من الأمثال السائرة مع بيت آخر بعده يقول فيه: لولا اشتغال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود فالحسود يذيع أمجاد المحسود بين الناس، وينشر أخباره وفضائله، وإن نار الحسد تنشر عرف الأخلاق كما تنشر النار الحقيقية عرف العود الطيب. وبمثل هذه الآراء في شعره قيل عن أبي تمام إنه حكيم.
[12043]:الحديث الذي يشير إليه هو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء االليل والنهار)، أخرجه البخاري في العلم والزكاة والأحكام والتمني والاعتصام والتوحيد، وأخرجه أحمد في مسنده (2/9، 36) واللفظ له.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

عطف شر الحاسد على شر الساحر المعطوف على شر الليل ، لمناسبة بينه وبين المعطوف عليه مباشرةً وبينه وبين المعطوف عليه بواسطته ، فإن مما يدعو الحاسد إلى أذى المحسود أن يتطلب حصول أذاهُ لتوهم أن السحر يزيل النعمة التي حسده عليها ولأن ثوران وجدان الجسد يكثر في وقت الليل ، لأن الليل وقت الخلوة وخطورِ الخواطر النفسية والتفكر في الأحوال الحافة بالحاسد وبالمحسود .

والحسد : إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير مع تمني زوالها عنه لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة أو على مشاركته الحاسد فيها . وقد يطلق اسم الحسد على الغبطة مجازاً .

والغبطة : تمنّي المرء أن يكون له من الخير مثلُ ما لمن يروق حاله في نظره ، وهو محمل الحديث الصحيح : « لا حَسَدَ إلا في اثنتين » أي لا غبطة ، أي لا تحق الغبطة إلا في تينك الخصلتين ، وقد بين شهاب الدين القرافي الفرق بين الحسد والغبطة في الفرق الثامن والخمسين والمائتين .

فقد يغلب الحسدُ صبرَ الحاسد وأناتَه فيحمله على إيصال الأذى للمحسود بإتلاف أسباب نعمته أو إهلاكه رأساً . وقد كان الحسد أولَ أسباب الجنايات في الدنيا إذ حسد أحد ابني آدم أخاه على أن قُبِل قربانه ولم يقبل قُربان الآخر ، كما قصّه الله تعالى في سورة العقود .

وتقييد الاستعاذة من شره بوقت : { إذا حسد } لأنه حينئذ يندفع إلى عمل الشر بالمحسُود حين يجيش الحسد في نفسه فتتحرك له الحيل والنوايا لإِلحاق الضرّ به . والمراد من الحسد في قوله : { إذا حسد } حسد خاص وهو البالغ أشد حقيقته ، فلا إشكال في تقييد الحسد ب { حسد } وذلك كقول عمرو بن معد يكرب :

وبَدَت لميسُ كأنَّها *** بَدْرُ السماءِ إذا تَبَدَّى

أي تجلى واضحاً منيراً .

ولما كان الحسد يستلزم كون المحسود في حالة حسنة كثر في كلام العرب الكناية عن السيد بالمحسود ، وبعكسه الكناية عن سيّىء الحال بالحاسد ، وعليه قول أبي الأسود :

حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداءٌ له وخصوم

كضرائرِ الحسناء قُلْنَ لوجههـا *** حَسَداً وبُغضاً إنّه لَمشُوم

وقول بشار بن بُرد :

إن يحْسدوني فإني غيرُ لائمهم *** قَبْلي من الناس أهلُ الفَضْل قد حُسِدوا

فدَام لي ولَهُم مَا بي وما بِهِمُ *** وماتَ أكْثَرُنَا غَيْظاً بِمَا يَجِــــــد