روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

{ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ومبادي الأضرار بالمحسود قولاً وفعلاً ومن ذلك على ما قيل النظر إلى المحسود وتوجيه نفسه الخبيثة نحوه على وجه الغضب فإن نفس الحاسد حينئذ تتكيف بكيفية خبيثة بما تؤثر في المحسود بحسب ضعفه وقوة نفس الحاسد شراً قد يصل إلى حد الإهلاك ورب حاسد يؤذي بنظره بعين حسده نحو ما يؤذى بعد الحيات بنظرهن وذكروا أن العائن والحاسد يشتركان في أن كلاً منهما تتكيف نفسه وتتوجه نمحو من تريد أذاه إلا أن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين والمعاينة والحاسد يحصل حسده في الغيبة والحضور وأيضاً العائن قد يعين من لا يحسده من حيوان وزرع وإن كان لا ينفك من حسد صاحبه والتقييد بذلك إذ لا ضرر قبله بل قيل إن ضرر الحسد إنما يحيق بالحاسد لا غير كما قال علي كرم الله تعالى وجهه لله در الحسد ما أعد له بدأ بصاحبه فقتله وقال ابن المعتز

: اصبر على حسد الحسو *** د فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها

إن لم تجد ما تأكله *** وليعلم أن الحسد يطلق على تمني زوال نعمة الغير وعلى تمني استصحاب عدم النعمة ودوام ما في الغير من نقص أو فقر أو نحوه والإطلاق الأول هو الشائع والحاسد بكلا الإطلاقين ممقوت عند الله تعالى وعند عباده عز وجل آت باباً من الكبائر على ما اشتهر بينهم لكن التحقيق أن الحسد الغريزي الجبلي إذا لم يعمل بمقتضاه من الأذى مطلقاً بل عامل المتصف به أخاه بما يحب الله تعالى مجاهد أنفسه لا إثم فيه بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه وحسن معاملته أخاه ثواباً عظيماً لما في ذلك من مشقة مخالفة الطبع كما لا يخفي ويطلق الحسد على الغبطة مجازاً وكان ذلك شائعاً في العرف الأول وه يتمني أن يكون له مثل ما لأخيه من النعمة من غير تمني زوالها وهذا مما لا بأس به ومن ذلك ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله تعالى ما لا وسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله تعالى الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس وقال أبو تمام

: هم حسدوه لا ملومين مجده *** وما حاسد في المكرمات بحاسد

وقال أيضاً

: وأعذر حسودك فيما قد خصصت به *** إن العلا حسن في مثلها الحسد

/خ5