اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

قوله : { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، الحسدُ : هو تمني زوال نعمة المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها ، والمنافسة : هي تمنّي مثلها وإن لم تزل من المحسود ، وهي الغبطة ، فالحسد : شر مذموم ، والمنافسة مباحة .

قال صلى الله عليه وسلم : «المؤمن يغبط والمنافق يحسد » ، وقال : «لا حَسَدَ إلاَّ في اثنتينِ »{[61164]} يريد الغبطة .

قال ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - : لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قربت إليه اليهود ، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه ، فأعطاه اليهود ؛ ليسحروه بها صلى الله عليه وسلم ، وتولى ذلك ابن الأعصم ، رجل من اليهود{[61165]} .

فصل في أن الله خلق الخير والشر

هذه السورة دالة على أن الله خلق كل شر ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور ، فقال - عز وجل - : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، وذلك خاتمة ذلك الحسد تنبيهاً على عظمته ، وكثرة ضرره ، والحاسد عدو نعمة الله تعالى .

قال بعض الحكماء : الحاسد بارز ربَّه من خمسة أوجه :

أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره .

وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت إلي هذه القسمة .

وثالثها : أنه ضاد الله ، أي : أن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله .

ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم .

وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس .

وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغمًّا ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ثلاثةٌ لا يُسْتَجَابُ دعاؤهُم : آكلُ الحرامِ ، ومُكثرُ الغِيبةِ ، ومنْ كانَ في قلبِهِ غلٌّ أو حسدٌ للمسلمين»{[61166]} .

ختام السورة:

روى [ الثعلبي عن أبيّ ]{[1]} - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها » .

وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ألا أخْبرُكَ بأفضل ما تعوَّذ بهِ المتعوِّذُونَ » ؟ قلت : بلى يا رسُول اللهِ ، قال : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس }{[2]} والله أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[61164]:تقدم تخريجه.
[61165]:أخرجه الثعلبي من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن أبي نضرة عن ابن عباس عن أبي بن كعب بن كما في "تخريج الكشاف" للزيلعي (4/337-338). وأخرجه أيضا ابن مردويه والواحدي في الوسيط من طريق نو ونوح بن أبي مريم وضاع مشهور.
[61166]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/177).