فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

{ ومن شر حاسد } الحسد تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود ، ومعنى { إذا حسد } إذا أظهر ما في نفسه من الحسد ، وعمل بمقتضاه ، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، قال عمر بن عبد العزيز : لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد ، وقد نظم الشاعر هذا المعنى فقال :

قل للمحسود إذا تنفس طعنة *** يا ظالما وكأنه مظلوم

ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإستعاذة من شر كل مخلوقاته على العموم ، ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شره ، ومزيد ضره ، وهو الغاسق والنفاثات والحاسد ، فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشر حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر ، وختم بالحسد ليعلم أنه أشد وأشر ، وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس ، وفي الأرض من قابيل .

وإنما عرف بعض المستعاذ منه ، ونكر بعضه ؛ لأن كل نفاثة شريرة ، فلذا عرفت النفاثات ، ونكر غاسق ؛ لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر ، إنما يكون في بعض دون بعض ، وكذلك كل حاسد لا يضر ، وربما حسد يكون محدودا كالحسد في الخيرات ، ذكره النسفي في المدارك .

وعن ابن عباس في قوله { ومن شر حاسد إذا حسد } قال : نفس ابن آدم وعينه .