ولما كان أعظم حامل على السحر وغيره من أذى الناس الحسد ، وهو تمني زوال نعمة المحسود للحاسد ، أو غيره قال تعالى : { ومن شرّ حاسد } ، أي : ثابت الاتصاف بالحسد معروف فيه ، وأعظم الحساد الشيطان الذي ليس له دأب إلا السعي في إزالة نعم العبادات عن الإنسان بالغفلات ، ثم قيد ذلك بقوله تعالى : { إذا حسد } ، أي : إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود ، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمر فلا ضرر يعود منه على من حسده ؛ بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره .
وعن عمر بن عبد العزيز : لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد ، وفي إشعار الآية إدعاء بما يحسد عليه من نعم الدارين ؛ لأنّ خير الناس من عاش محسوداً ومات محسوداً .
فإن قيل : لم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه ؟ أجيب : بأنّ النفاثات عرفت ؛ لأنه كل نفاثة شريرة ، ونكر غاسق ؛ لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض ، وكذلك كل حاسد لا يضر .
وربّ حسد محمود ، وهو الحسد في الخيرات ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :«لا حسد إلا في اثنتين » الحديث . وقال أبو تمام :
وما حاسد في المكرمات بحاسد ***
إن العلا حسن في مثلها الحسد ***
فائدة : قال بعض الحكماء : الحاسد بارز ربه من خمسة أوجه :
أولها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره .
ثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة ؟
ثالثها : إنه ضاد فعل الله تعالى ، إذ فضل ببره من شاء ، وهو يبخل بفضل الله تعالى .
رابعها : أنه خذل أولياء الله تعالى ، أو يريد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم .
خامسها : أنه أعان عدوّ الله إبليس ، والحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة ، ولا ينال في الدنيا إلا جزعاً وغماً ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً ، ولا ينال من الله تعالى إلا بعداً ومقتاً .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم : آكل الحرام ، ومكثر الغيبة ، ومن كان في قلبه غلّ أو حسد للمسلمين » .
وقيل : المراد بالحاسد في الآية اليهود ، فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : قوله تعالى : { من شر ما خلق } تعميم في كل ما يستعاذ منه ، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد ؟ أجيب : بأنه قد خص شر هؤلاء من كل شر ، لخفاء أمرهم ، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم ، كأنما يغتال به ، وقالوا : شر العداة المداجي الذي يكيدك من حيث لا تشعر .
وأخرج الإمام أحمد عن الزبير بن العوّام أنه صلى الله عليه وسلم قال : «دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء ، ألا والبغضاء هي الحالقة » . فنسأل الله تعالى أن يحفظنا ومحبينا منه ، إنه كريم جواد .
وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : «لقد أنزلت عليّ سورتان ما أنزل مثلهما » . وروى ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال : «وإنك إن تقرأ سورتين لا أحب ولا أرضى عند الله منهما يعني المعوّذتين » .
وعن عقبة بن عامر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوّذون ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم { قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ بربّ الناس } . وما رواه الزمخشري ولم يقله البيضاوي هنا ، لكن قال في آخر السورة الآتية : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى » حديث موضوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.