تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

الآية5 : وقوله تعالى : { ومن شر حاسد إذا حسد } .

يخرج على وجهين :

أحدهما : إذا كان الحاسد دون المحسود ، ولا يقوى على الشر ليفعل به ، والشر المتوهم منه يكون من شره{[24233]} عينه ، وعمل الحسد إرادة زوال نعم المحسود ، وذهاب دولته .

( والثاني : ){[24234]} أنه جائز أن يكون الله تعالى بلطفه يجعل في بعض الأعيان عملا ينادي بالنظر إلى ما يستحسنه من النعم إلى الزوال ، ويؤثرون ذهاب الدولة عنه ، فأمر بالتعوذ .

هذا وقد بينا لك المتولدات من الأفعال بما جعل الله تعالى فيها من المضار والمنافع ما لا يبلغها علوم الخلق ؛ بل لو أراد الخلق أن يعرفوا ما في البصر من الحكمة التي تدرك بفتح البصر ما بين السماء والأرض من غير كثير مهلة ، لم يقدروا عليه .

وروى عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا رقية إلا من عين أو حمة " ( أبو داود 3884 ) ، وعن ابن عباس رضي الله عنه ( قوله صلى الله عليه وسلم ){[24235]} : " العين حق ، فإن كان شيء يسبق القدر لسبقته العين " ( مسلم 2188 ) ، وفي خبر آخر : " لا شر في الهام ، والعين حق " ( الترمذي : 2061 ) ، ويدل عليه في قصة يوسف عليه السلام ( ما ){[24236]} قال : { لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } ( يوسف : 67 ) .

وقد فسر قوم وجه عمل العين وكيفيته ( بأمرين :

أحدهما : أنه ){[24237]} أمر كعمل الشمس في العين نفسها في ما تبصر الشمس ، وتنظر إليها ، فإنها تضره ، وتغلبه عن النظر على بعدها{[24238]} من العين بما جعل الله تعالى ، وذلك من اللطف والحكمة ، وكذلك عمل العين في المعيون .

والثاني : أن يكون بما حسد أن يبعث حسده على الحيل وأنواع ما به العين من السعي في الأمور التي بها الفساد على ضعفه في نفسه .

قال الله تعالى في صفة المنافقين : { يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم } ( المنافقون : 4 ) ، فمع ما بيّن من فشلهم وضعفهم أمرهم بالحذر منهم ، وقال : { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } ( النساء : 76 ) ، ثم أمر بالتعوذ من شره ، فكذلك الحاسد ، والله أعلم ( بالصواب ){[24239]} .


[24233]:في الأصل وم: شر
[24234]:في الأصل وم: و
[24235]:ساقطة من الأصل وم
[24236]:ساقطة من الأصل وم
[24237]:في الأصل وم: لكنه
[24238]:في م: بعد
[24239]:من م، ساقطة من الأصل