بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

ثم قال عز وجل : { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يعني كل ذي حسد ، أراد به لبيد بن أعصم اليهودي ، ويقال لبيد بن عاصم .

وروى الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال : سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود عقد له عقداً ، فاشتكى لذلك أياماً ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له : إن رجلاً من اليهود سحرك ، فبعث عليّاً رضي الله عنه واستخرجها فحلّها ، فجعل كلما حل عقدة وجد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك خفة ، حتى حلها كلها ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لليهود .

وروي في خبر آخر أن لبيد بن أعصم اتخذ لعبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ من عائشة رضي الله عنها ، فأفحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل في اللعبة أحد عشرة عقدة ، ثم ألقاها في بئر ، وألقى فوقها صخرة ، فاشتكى من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شكواً شديداً ، فصارت أعضاؤه مثل العقد ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النائم واليقظان إذ أتاه ملكان : أحدهما جلس عند رأسه ، والآخر عند قدميه ، فالذي عند قدميه يقول للذي عند رأسه : ما شكواه ؟ قال : السحر . قال : من فعل به ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي . قال : فأين صنع السحر ؟ قال : في بئر كذا . قال : ما دواؤه ؟ قال : يبعث إلى تلك البئر فينزح ماؤها ، فإن انتهى إلى الصخرة فإذا رأها فليقلعها فإن تحتها كؤبة ، وهي كؤبة قد سقطت عنقها ، وفيه إحدى عشرة عقدة ، فيحرق في النار فيبرأ إن شاء الله تعالى ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد فهم ما قالا ، فبعث عمار بن ياسر وعلياً رضي الله عنهما إلى تلك البئر في رهط من أصحابه فوجدوها كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، فنزلت هاتان السورتان ، وهي إحدى عشرة آية ، فكلما قرأ آية حل منها عقدة ، حتى انحلت كلها ، ثم أحرقها بالنار ، فبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } و{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفلق } و{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الناس } " ما سأل منها سائل ، ولا استعاذ مستعيذ بمثلها قط " .

وهذه الآية دليل أن الرقية جائزة إن كانت بذكر الله تعالى وبكتابه ، والله أعلم بالصواب .