تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي : أغطية وأغشية لا يفقهون معها القرآن بل يسمعونه سماعا تقوم به عليهم الحجة ، { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } أي : صمما عن سماعه ، { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن } داعيا لتوحيده ناهيا عن الشرك به .

{ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } من شدة بغضهم له ومحبتهم لما هم عليه من الباطل ، كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

وقوله : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } : جمع " كنان " ، الذي يغشى القلب { أَنْ يَفْقَهُوهُ } أي : لئلا يفهموا القرآن { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } وهو الثقْل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعًا ينفعهم ويهتدون به .

وقوله : { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ } أي : إذا وحَّدت الله في تلاوتك ، وقلت : " لا إله إلا الله " { وَلَّوْا } أي : أدبروا راجعين { عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } ونفور : جمع نافر ، كقعود جمع قاعد ، ويجوز أن يكون مصدرًا من غير الفعل ، والله أعلم ، كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45 ] .

قال قتادة في قوله : { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } إن المسلمين لما قالوا : " لا إله إلا الله " ، أنكر ذلك المشركون ، وكبرت عليهم ، وضاقها إبليس وجنوده ، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويُفْلجها ويظهرها على من ناوأها ، إنها كلمة من خاصم بها فلج ، ومن قاتل بها نصر ، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين ، التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ، ويسير الدهر في فئام من الناس ، لا يعرفونها ولا يقرّون بها .

قول آخر في الآية :

وروى{[17565]} ابن جرير : حدثني الحسين بن محمد الذارع{[17566]} ، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي ، حدثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } هم الشياطين .

هذا غريب جدًا في تفسيرها ، وإلا فالشياطين{[17567]} إذا قرئ القرآن ، أو نودي بالأذان ، أو ذكر الله ، انصرفوا{[17568]} .


[17565]:في ت، ف: "قال".
[17566]:في ت، ف، أ: "الذراع".
[17567]:في ف: "فالشيطان".
[17568]:في ف: "انصرف".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

{ وجعلنا على قلوبهم أكنّة } تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله . { أن يفقهوه } كراهة أن يفقهوه ، ويجوز أن يكون مفعولا لما دل عليه قوله : { وجعلنا على قلوبهم أكنة } أي منعناهم أن يفقهوه . { وفي آذانهم وقراً } يمنعهم عن استماعه . ولما كان القرآن معجزا من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ . { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده } واحداً غير مشفوع به آلهتهم ، مصدر وقع موقع الحال واصله يحد وحده بمعنى واحدا وحده . { ولّوا على ادبارهم نفورا } هربا من استماع التوحيد ونفرة أو تولية ، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود .