البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

{ وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً } تقدم تفسيره في أوائل الأنعام { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده } .

قيل : " دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ومر بالتوحيد ، ثم قال : «يا معشر قريش قولوا لا إله إلاّ الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم » فولوا وأنفروا " فنزلت هذه الآية .

والظاهر أن الآية في حال الفارّين عند وقت قراءته ومروره بتوحيد الله ، والمعنى إذا جاءت مواضع التوحيد فرّ الكفار إنكاراً له واستبشاعاً لرفض آلهتهم واطّراحها .

وقال الزمخشري : وحد يحد وحداً وحدة نحو وعد يعد وعداً وعدة و { وحده } من باب رجع عوده على بدئه وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسدّ الحال ، أصله يحد وحده بمعنى واحداً انتهى .

وما ذهب إليه من أن { وحده } مصدر ساد مسد الحال خلاف مذهب سيبويه و { وحده } عند سيبويه ليس مصدراً بل هو اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال ، فوحده عنده موضوع موضع إيحاد ، وإيحاد موضوع موضع موحد .

وذهب يونس إلى أن { وحده } منصوب على الظرف ، وذهب قوم إلى أنه مصدر لا فعل له ، وقوم إلى أنه مصدر لأوحد على حذف الزيادة ، وقوم إلى أنه مصدر لوحد كما ذهب إليه الزمخشري وحجج هذه الأقوال مذكورة في كتب النحو .

وإذا ذكرت { وحده } بعد فاعل ومفعول نحو ضربت زيداً فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل ، أي موحداً له بالضرب ، ومذهب المبرد أنه يجوز أن يكون حالاً من المفعول فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير { وإذا ذكرت ربك } موحداً له بالذكر وعلى مذهب أبي العباس يجوز أن يكون التقدير موحداً بالذكر .

و { نفوراً } حال جمع نافر كقاعد وقعود ، أو مصدر على غير المصدر لأن معنى { ولوا } نفروا ، والظاهر عود الضمير في { ولوا } على الكفار المتقدم ذكرهم .

وقالت فرقة : هو ضمير الشياطين لأنهم يفرون من القرآن دل على ذلك المعنى وإن لم يجر لهم ذكر .

وقال أبو الحوراء أوس بن عبد الله : ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من لا إله إلاّ الله ثم تلا { وإذا ذكرت } الآية .

وقال علي بن الحسين : هو البسملة