الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

قوله تعالى : { وَحْدَهُ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنَّه منصوبٌ على الحال ، وإن كان معرفةً لفظاً ، لأنه في قوةِ النكرة ؛ إذ هو في معنى " منفرداً " ، وهل هو مصدرٌ أو اسمٌ موضوعٌ موضعَ المصدرِ الموضوعِ موضعَ الحال ، ف " وَحْدَه " وُضِعَ موضعَ " إيحاد " و " إيحاد " وُضع موضعَ " مَوْحَد " وهو مذهب سيبويه ، أو هو مصدرٌ على حَذْف الزوائد ، إذ يقال : أَوْحَدَه يُوْحِدُه إيحاداً ، أو هو مصدرٌ بنفسِه ل " وَحَد " ثلاثياً . قال الزمخشري : " وَحَدَ يَحِدُ وَحْداً وحِدَة نحو : وَعَد يَعِد وَعْداً وعِدَة ، و " وَحْدَه " من باب : " رَجَع عَوْدَه على بَدْئه ، و " افعَلْه جهدَك وطاقتَك " في أنه مصدرٌ سادٌّ مَسَدَّ الحال ، أصلُه يَحِدُ وَحْدَه ، بمعنى واحداً " . قلت : وقد عرفْتُ أن هذا ليس مذهبَ سيبويه .

والثاني : أنه منصوبٌ على الظرفِ ، وهو قولُ يونس . واعلمْ أنَّ هذه الحالَ بخصوصِها -أعني لفظة " وحده " - إذا وَقَعَتْ بعد فاعلٍ ومفعولٍ نحو : ضَرَبَ زيدٌ عمراً وَحْده " فمذهبُ سيبويه : أنه حالٌ من الفاعل ، أي : مُوَحِّداً له بالضرب . ومذهبُ المبردِ : أنه يجوز أن يكونَ حالاً من المفعول . قال الشيخ : " فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير : وإذا ذكرْتَ ربَّك مُوَحِّداً لله ، وعلى مذهب المبرد يجوز أن يكونَ التقديرُ : مُوَحَّداً بالذِّكْر " .

قوله : نُفوراً " فيه وجهان : أحدُهما : أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْر ؛ لأنَّ التولِّيَ والنفور بمعنى . والثاني : أنه حال مِنْ فاعل " وَلَّوا " وهو حينئذ جمع نافرٍ ، كقاعِد وقُعود وجالس وجلوس . والضميرُ في " وَلَّوا " الظاهر/ عودُه على الكفارِ . وقيل : يعود على الشياطين ، وإن لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ .