الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

وأخرج ابن إسحق وابن المنذر ، عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ودعاهم إلى الله قالوا : يهزؤون به { قلوبنا في أكنة بما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } [ السجدة : 5 ] فأنزل الله في ذلك من قولهم { وإذا قرأت القرآن } الآيات .

وأخرج ابن عساكر وولده القاسم في كتاب آيات الحرز ، عن العباس بن محمد المنقري رضي الله عنه قال : قدم حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المدينة حاجّاً ، فاحتجنا إلى أن نوجه رسولاً ، وكان في الخوف ، فأبى الرسول أن يخرج ، وخاف على نفسه من الطريق ، فقال الحسين رضي الله عنه : أنا أكتب لك رفعة فيها حرز لن يضرك شيء إن شاء الله تعالى ، فكتب له رقعة وجعلها الرسول في صورته ، فذهب الرسول فلم يلبث أن جاء سالماً ، فقال : مررت بالأعراب يميناً وشمالاً فما هيجني منهم أحد ، والحرز عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ، وإن هذا الحرز كان الأنبياء يتحرزون به من الفراعنة : { بسم الله الرحمن الرحيم } { قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون : 109 ] { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } [ مريم : 18 ] أخذت بسمع الله وبصره وقوّته على أسماعكم وأبصاركم وقوتكم يا معشر الجن والإنس والشياطين والأعراب والسباع والهوام واللصوص ، مما يخاف ويحذر فلان بن فلان ، سترت بينه وبينكم بستر النبوّة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة ، جبريل ، عن أيمانكم ، وميكائيل ، عن شمائلكم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم أمامكم ، والله سبحانه وتعالى من فوقكم يمنعكم من فلان بن فلان في نفسه وولده وأهله وشعره وبشره وماله وما عليه وما معه وما تحته وما فوقه . { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } { وجعلنا على قلوبهم أكنة } إلى قوله { نفوراً } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } قال : الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه ، وأن ينتفعوا به ، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زهير بن محمد وإذا قرأت القرآن الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا صوته ولا يرونه .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } قال : بغضاً لما تتكلم به لئلا يسمعوه ، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم ، لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } قال : الشياطين .

وأخرج البخاري في تاريخه ، عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال : لم كتمتم { بسم الله الرحمن الرحيم } فنعم الاسم والله كتموا ! فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل منزله ، اجتمعت عليه قريش ، فيجهر ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) ويرفع صوته بها ، فتولي قريش فراراً ، فأنزل الله { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } .