نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

{ وجعلنا } أي بما لنا من العظمة { على قلوبهم أكنة } أي أغطية ، كراهة { أن يفقهوه } أي يفهموا القرآن حق فهمه { وفي ءاذانهم وقراً } أي شيئاً ثقيلاً يمنع سماعهم السماع النافع بالقصور في إدراكهم لا في بيانه ، فرؤيتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حال التلاوة غير صحيحة كما أن سمعهم وإدراكهم لما يقرأه كذلك كما قال تعالى

{ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة }[ البقرة : 7 ] { وإذا ذكرت ربك } أي المحسن إليك وإليهم { في القرءان } حال كونه { وحده } مع الإعراض عن آلهتهم { ولوا } وحقق المعنى وصوره بما يزيد في بشاعته تنفيراً عنه فقال : { على أدبارهم نفوراً * } مصدر من غير اللفظ مؤكد لأنه محصّل لمعناه ، أو جمع نافر كقاعد وقعود .

ومادة " وقر " بجميع تقاليبها الخمسة عشر تدور على الجمع كما مضى في آخر يوسف وأول الحجر ، فالوقر - بالفتح : ثقل في الأذن أو ذهاب السمع كله - لأن ذلك يوجب اجتماعاً في النفس وسكوناً يحمل على الوقار الذي هو السكينة بفقد بعض ما كان يشعّب الفكر من السمع ، ومن ذلك ذلك الوقر - بالكسر : الحمل مطلقاً أو الثقيل ، أو لأن الحمل جامع لما فيه والأذن جمعت ما سدها ، فكأنه جمع خرقها فصيرها صلداً كالصخرة الصماء لا ينفذ فيها شيء ، ولذلك يسمى الطرش الصمم ونخلة موقرة ، أي مستجمعة حملاً ، واستوقرت الإبل : سمنت أي جمعت الشحم واللحم ، ووقر كوعد : جلس - لاستجماع بعض أعضائه إلى بعض ، والوقير : القطيع من الغنم أو صغارها أو خمسمائة منها أو عام ، أو الغنم بكلبها وحمارها وراعيها كالقرة - لاستجماع بعضها إلى بعض ، والوقري - محركة : راعي الوقير أو مقتني الشاء وصاحب الحمير وساكنو المصر ، والقرة - كعدة : العيال والثقل والشيخ الكبير - لأن الكبر والثقل يثمران الوقار الناشىء عن استجماع النفس والعزم وترك الانتشار بالطيش ، وما قبلهما واضح في الجمع ، والموقر - كمعظم : المجرب العاقل قد حنكته الدهور - لأن ذلك يثمر استجماع العقل ، ووقرت الرجل توقيراً : بجلته ورزنته ، والدابة : سكنتها - فكان كأنه جمع إليها حمل ثقيل ، والتيقور فيعول من الوقار تاءه مبدلة من واو ، يقال : وقر في بيته يقر ، أي جمع نفسه فيه لاجتماع همه ، والموقر - كمجلس : الموضع السهل عند سفح الجبل - لعله شبه بالرجل الوقور المطمئن الساكن النفس ، والحامل الذي يوطئه الحمل ، والوقرة : وكتة - أي حفرة - تكون في الحافر والعين والحجر - لأن من شأن الحفرة أن تجمع ما تودعه ، ومنه توقير الشيء : أن تصير له وقرات ، أي آثاراً ، والوقر : الصدع في الساق وكالوكتة أو الهزمة تكون في العظم والحجر والعين ، وأوقر الله الدابة : أصابها بوقرة ، وفقير وقير ، أي مكسور العظام أو الفقار ، أو تشبيه بصغار الشاء أو اتباع ، أو المعنى أن الدين أوقره ، والوقير : النقرة العظيمة في الصخرة تمسك الماء - وهو واضح في الجمع .

والروق : القرن - لشدة اجتماعه لصلابته واستدارته ، ولأنه يجمع إقدام صاحبه وعزمه ، والروق أيضاً : عزم الرجل وفعاله - لجمعهما أمره ، والروق من الليل : طائفة - لاجتماع ساعاتها ، والروق من البيت : رواقه ، أي شقته التي دون الشقة العليا - لأنها تكمل جمعه لما يقصد منه من الستر ، ورواق البيت - ككتاب وغراب . ما أطاف به ، قال القزاز : وقيل : الرواق كالفسطاط يحمل على عمود واحد في وسطه ، قال في القاموس : أو سقف في مقدم البيت وحاجب العين - ولعله شبه بالستر ، ومن الليل : مقدمه وجانبه - شبه بجانب البيت ، والروق من الشباب : أوله كالريق بالفتح ، والريق ككيس ، وأصله ريوق - لأنه ينبني عليه ما بعده ويجتمع إليه كأنه الأصل الذي يجمع جميع الفروع ، والريق أيضاً أن يصيبك من المطر شيء يسير - كأنه أول المطر ، والروقة : الشيء اليسير ، وهي من ذلك ، والروق أيضاً : العمر - لأنه الجامع للحال ، وراقني الشيء : أعجبني - لأن الفكر يجمع الخواطر لأجله فلا يظهر له وجه ما صار به معجباً ، ووصيف روقة - إذا أعجبك ، وجارية روقة وغلمان روقة ، جمع رائق ، والروقة : الشيء الجميل جداً ، والروق - بالفتح العجب والإعجاب بالشيء ، ومن الخيل : الحسن الخلق يعجب الرائي ، والجمال الرائق ، والريق والروق والرواق : الستر - لأنه يجمع البصر والهم عما وراءه ، وهو أيضاً موضع الصائد - لأنه يجمعه على ما يريد ويوصله إليه ، والروق : الرواق ومقدم البيت والشجاع لا يطاق - لاجتماع همه لما يريد ، والفسطاط والسيد - لجمع الفضائل ، والصافي من الماء وغيره - لأن الصفاء أجدر باجتماع الأجزاء ، والروق : الجماعة والحب الخالص ومصدر راق عليه ، أي زاد عليه فضلاً - لأن الزيادة لا تكون إلا عن جمع ، والروق : البدن من الشيء - لجمعه له ، والحية - لتحويها أي تجمعها ، وداهية ذات روقين ، أي عظيمة مشبهة بالثور ، ورمى بأرواقه على الدابة : ركبها ، أي بجميع أعضائه ، ورمى بأرواقه عنها : نزل ، وألقى أرواقه : عدا فاشتد عدوه - كأنه خرج من جميع أعضائه - فعدا روحاً بلا بدن فصار أعظم من الطائر ، أي غلبت روحه على بدنه ، وألقى أرواقه : أقام بالمكان مطمئناً ؛ قال في القاموس : كأنه ضد - انتهى .

والمفعول فيه في هذا محذوف ، كأنه قال : في مكان كذا ، ومن المعلوم أن بدنه إذا كان في مكان وهو حي فقد أقام به ، وألقى عليك أرواقه ، وهو أن تحبه شديداً ، والمعنى أنه ألبسك بدنه فصارت روحك مديرة له فصرت إياه . وتعبير القزاز بقوله " وهو أن تحبه حتى تستهلك في حبه " يدل على ذلك ، وألقت السحابة أرواقها ، أي مطرها ووبلها أو مياهها الصافية - وذلك هو مجموع ما فيها ، وأرواق الليل : أثناء ظلمته شبه بالخيمة ، ومن العين : جوانبها لأنها حاوية لها ، وعبارة القزاز : ضرب الليل بأرواقه - إذا قام وثبت ، وقيل : أرواقه : مقاديمه ، وأسلبت العين أرواقها : سالت دموعها ، أي جميع ما فيها - كأن ذلك كناية عن اشتداد البكاء ، وروق الفرس : الذي يمده الفارس من رمحه بين أذنيه - تشبيه له بقرن الثور ، وذلك الفرس أروق ، ومنه الروق - محركة ، وهو طول الأسنان - تشبيهاً لها بالروق أي القرن - قال القزاز : وقيل : الروق : طول الأسنان وانثناءها إلى داخل الفم ، وإشراف العليا على السفلى ، والقوم روق - إذا كانوا كذلك ، وهو يصلح لأن يكون تشبيهاً بما ذكر ، ولأن يكون من الجمع من أجل الانثناء ، ومنه أكل فلان روقه - إذا أسن فطال عمره حتى تتحات أسنانه - المشبهة بالقرن ، والترويق : التصفية - وقد تقدم أن الشيء إذا خلص من الأغيار كانت أجزاؤه أشد تلاصقاً ، والترويق : أن يبيع سلعة ويشتري أجود منها - مشبهة بالتصفية ، والراووق : المصفاة يروق بها الشراب بلا عصير والكأس بعينها ، والباطية وناجود الشراب الذي يروق به - لأنها تجمع الشراب .

والقرو : القصد والتتبع كالاقتراء والاستقراء والطعن وهو واضح في الجمع ، والقرو : حوض طويل ترده الإبل ، وعبارة القزاز : شبه حوض ممدود مستطيل إلى جنب الحوض ، يفرغ منه في الحوض الأعظم ، ترده الإبل والغنم ، وكذا إن كان من خشب . والقرو : الأرض لا تكاد تقطع - كأنها حمت اجتماع أجزائها عن أن يفرقها أحد ، والقرو : مسيل المعصرة ومثعبها - لاجتماع ما يسيل فيه ، وأسفل النخلة ينقر فينتبذ فيه أو يتخذ منه المركن والإجانة للشرب ، وقدح أو إناء صغير ، وميلغة الكلب ، وحق عليه طبق ، ومنقع الماء ، والعرب تقول : أصبحت الأرض قرواً واحداً - إذا كثر الخصب والمطر ، وكل ذلك واضح في الجمع ، وأن يعظم جلد البيضتين لريح أو ماء ، أو نزول الأمعاء كالقروة ، وذلك إما لشبههما بالقدح أو لجمعهما ما أوجب كبرهما ، وقرّى كفعلى : ماء بالبادية - لجمعه الناس ، والقرى : القرع يؤكل - لأنه صالح لأن يجعل إناء ، والقرا : الظهر - لجمعه الأعضاء ، وناقة قرواء : طويلة السنام ، والمقروري : الطويل الظهر ، وأقرى : اشتكى - إما أن يكون من شكاية القرا ، وإما أن يكون للسلب ، أي أزال اجتماع همه وعزمه ، والقرواء : العادة - لجمعها أهلها ، والدبر - لجمعها ما فيها ، وأقرى : طلب القرى ، ولزم القرى ، وأقرى الجل على الفرس : ألزمه ، والمقاري : رؤوس الإكام - لأنها تجمع ، وتركتهم قرواً واحداً على طريقة واحدّة - أي مجتمعين وشاة مقروة : جعل رأسها في خشبة لئلا ترضع نفسها - أي جمع فكاها ، وقروة الرأس : طرفه ، وعبارة القزاز : وقروان الرأس وقروة الرأس : أعلاه - كأنه مجتمع أمره لأنه موضع المفكرة ، وقروة الأنف : طرفه - لأنه آخر جامع لجماله ، واستقرى الدمل : صارت فيه المدة - أي اجتمعت ، والقيروان : معظم العسكر ومعظم القافلة - وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية المادة في ( بورقكم هذه }في [ الكهف :19 ] .