بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا} (46)

قوله : { وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } يعني جعلنا أعمالهم على قلوبهم أغطية ، حتى لا يرغبوا في الحق ؛ ويقال : { جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة } يعني : الجن والشياطين حجاباً مستوراً ، فلا يصلون إليك ؛ وقال الكلبي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن ، ستره الله وحجبه عن المشركين بثلاث آيات ، إذا قرأهن حجب عنهم . إحداهن في سورة الكهف { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بأايات رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إلى الهدى فَلَنْ يهتدوا إِذاً أَبَداً } [ الكهف : 57 ] والآية الثانية في النحل { أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وأبصارهم وأولئك هُمُ الغافلون } [ النحل : 108 ] والثالثة في حم الجاثية { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ الجاثية : 23 ] الآية .

ثم قال : { وَفي آذانهم وقرا } ، أي صمماً وثقلاً لا يسمعون الحق . قرأ ابن كثير { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] بالياء ، وكذلك في قوله : { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } [ الإسراء : 43 ] ، وكذلك { فِى بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والاصال } [ النور : 36 ] الثلاثة كلها بالياء على معنى المغايبة ؛ وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء على معنى المخاطبة ولفظ التأنيث ؛ وقرأ نافع وابن عمر الأول خاصة بالتاء والآخرين بالياء ، وقرأ أبو عمرو الأوسط بالياء ، واختلفوا عن عاصم في رواية حفص الآخر خاصة بالياء ، وروى أبو بكر مثل ابن عامر .

قوله تعالى : { وَإذا ذكرت ربك في القرآن وحده } ، يعني : وحدانيته ، قول لا إله إلا الله . { وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً } ، أي أعرضوا تباعداً عن الإيمان ؛ وقال القتبي : ولوا على أدبارهم هرباً وهو مثل ما قال مقاتل ؛ وذلك حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :

« قُولُوا لا إله إلاَّ اللَّهُ تَتَمَلَّكُوا بِهَا العَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا العَجَمُ » فنفروا من ذلك .