تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (20)

فإن كان لا بد من الفراق ، وليس للإمساك محل ، فليس الإمساك بلازم .

بل متى { أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } أي : تطليقَ زوجة وتزوجَ أخرى . أي : فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج . ولكن إذا { آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ } أي : المفارقة أو التي تزوجها { قِنْطَارًا } أي : مالا كثيرا . { فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } بل وفروه لهن ولا تمطلوا بهن .

وفي هذه الآية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر ، مع أن الأفضل واللائق الاقتداءُ بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر . ووجه الدلالة أن الله أخبر عن أمر يقع منهم ، ولم ينكره عليهم ، فدل على عدم تحريمه [ لكن قد ينهي عن كثرة الصداق إذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم ]{[203]}

ثم قال : { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } فإن هذا لا يحل ولو تحيلتم عليه بأنواع الحيل ، فإن إثمه واضح .


[203]:- زيادة من هامش ب.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (20)

وقوله : { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } أي : إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها ، فلا يأخذن مما كان أصدق الأولى شيئاً ، ولو كان قنطارا من مال .

وقد قدمنا في سورة آل عمران الكلام على القنطار بما فيه كفاية عن إعادته هاهنا .

وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل ، وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ، ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سلمة{[6858]} بن علقمة ، عن محمد بن سِيرين ، قال : نُبِّئْت عن أبي العَجْفَاء السُّلميِّ قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : ألا لا تُغْلُوا في صَداق{[6859]} النساء ، فإنها لو كانت مَكْرُمَةً في الدنيا أو تَقْوَى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصْدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائه ، ولا أُصدِقَت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أُوقِيَّة ، وإن كان الرجل ليُبْتَلَى بصَدُقَةِ امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ، وحتى يقول : كَلِفْتُ إليك عَلَق القِرْبة ، ثم رواه أحمد وأهل السنن من طرق ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي العجفاء - واسمه هرم ابن مُسَيب البصري - وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح{[6860]} .

طريق أخرى عن عمر : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خَيْثَمَةَ ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن عبد الرحمن ، عن المجالد{[6861]} بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ثم قال : أيها الناس ، ما إكثاركم في صُدُق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة{[6862]} لم تسبقوهم إليها . فَلا أعرفَنَّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت :{[6863]} يا أمير المؤمنين ، نَهَيْتَ الناس أن يزيدوا النساء صداقهم{[6864]} على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله{[6865]} في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [ فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ]{[6866]} } [ النساء : 20 ] قال : فقال :

اللهم غَفْرًا ، كُلُّ الناس أفقه من عمر . ثم{[6867]} رجع فركب المنبر فقال : إني{[6868]} كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن{[6869]} على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب . قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل . إسناده جيد قوي{[6870]} .

طريق أخرى : قال ابن المنذر : حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق ، عن قيس بن ربيع ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال عمر بن الخطاب : لا تغالوا في مهور{[6871]} النساء . فقالت امرأة : ليس ذلك لك يا عمر ، إن الله تعالى يقول : " وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب " . قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود : " فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئا " فقال عمر : إن امرأة خاصمت عمر فخصمته{[6872]} .

طريق أخرى : عن عمر فيها انقطاع : قال الزبير بن بكار حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي قال : قال عمر بن الخطاب لا تزيدوا في مهور{[6873]} النساء وإن كانت بنت ذي الغُصّة - يعني يزيد ابن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال . فقالت امرأة - من صُفَّة النساء طويلة ، في أنفها فَطَس - : ما ذاك لك . قال : ولم ؟ قالت : لأن الله [ تعالى ]{[6874]} قال : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } الآية . فقال عمر : امرأة أصابت{[6875]} ورجل أخطأ{[6876]} . ولهذا قال [ الله ]{[6877]} منكرا : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }


[6858]:في أ: "مسهر".
[6859]:في جـ، ر، أ: "صدق".
[6860]:المسند (1/40) ورواه أبو داود في السنن برقم (2106) والترمذي في السنن برقم (1114) والنسائي في السنن (6/117) وابن ماجة: في السنن برقم (1887).
[6861]:في جـ: "مجالد".
[6862]:في جـ، ر، أ: "أو مكرمة".
[6863]:في جـ، أ. "فقالت له".
[6864]:في جـ، ر، أ: "في صدقاتهن".
[6865]:في جـ، أ: "ما قال الله".
[6866]:زيادة من جـ، ر، وفي هـ: "الآية".
[6867]:في أ: "قال: ثم".
[6868]:في جـ، أ: "أيها الناس، إني".
[6869]:في جـ، أ: "في صدقهن" وفي ر: "صدقاتهن".
[6870]:ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (598) "الأعظمي" ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (7/233) فقال: أخبرنا هيثم أخبرنا مجالد عن الشعبي قال: خطب عمر رضي الله عنه الناس فذكر بنحوه.انظر: إرواء الغليل (6/348) للشيخ ناصر الألباني فقد بين ضعف هذه الرواية ومخالفتها لما في السنن.
[6871]:في أ: "مهر".
[6872]:رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (10420) من طريق قيس بن الربيع به. قال الشيخ ناصر الألباني في إرواء الغليل (1/348): "إسناد ضعيف فيه علتان: الأولى: الانقطاع، فإن أبا عبد الرحمن السلمي، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة، لم يسمع من عمر كما قال ابن معين.الأخرى: سوء حفظ قيس بن الربيع".
[6873]:في أ: "لا يزيد في مهر".
[6874]:زيادة من جـ، أ.
[6875]:في ر: "صابت".
[6876]:ذكره السيوطي في الدر (2/466) ونسبه للزبير في الموفقيات. قال الحافظ ابن كثير في مسند عمر بن الخطاب (2/573): "فيه انقطاع".
[6877]:زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (20)

{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } تطليق امرأة وتزوج أخرى . { وآتيتم إحداهن } أي إحدى الزوجات ، جمع الضمير لأنه أراد بالزوج الجنس . { قنطارا } مالا كثيرا . { فلا تأخذوا منه شيئا } أي من قنطار . { أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا } إستفهام إنكار وتوبيخ ، أي تأخذونه باهتين وآثمين ، ويحتمل النصب على العلة كما في قولك : قعدت عن الحرب جبنا ، لأن الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم . قيل كان الرجل منهم إذا أراد امرأة جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة ، فنهوا عن ذلك والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه ، وقد يستعمل في الفعل الباطل ولذلك فسر ههنا بالظلم .