تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (32)

ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقال : { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ } مع أن الدين واحد وهو إخلاص العبادة للّه وحده وهؤلاء المشركون فرقوه ، منهم من يعبد الأوثان والأصنام . ومنهم من يعبد الشمس والقمر ، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى .

ولهذا قال : { وَكَانُوا شِيَعًا } أي : كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم .

{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ } من العلوم المخالفة لعلوم الرسل { فَرِحُونَ } به يحكمون لأنفسهم بأنه الحق وأن غيرهم على باطل ، وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل ، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد .

وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة ، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط ، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا ، ويتميز بها بعضهم عن بعض ؟

فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين ؟

وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل ، إلا من أفضل الجهاد في سبيل اللّه وأفضل الأعمال المقربة إلى اللّه ؟

ولما أمر تعالى بالإنابة إليه -وكان المأمور بها هي الإنابة الاختيارية ، التي تكون في حَالَي العسر واليسر والسعة والضيق- ذكر الإنابة الاضطرارية التي لا تكون مع الإنسان إلا عند ضيقه وكربه ، فإذا زال عنه الضيق نبذها وراء ظهره وهذه غير نافعة فقال : { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (32)

وقوله : { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي : لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي : بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض .

وقرأ بعضهم : " فارقوا دينهم " أي : تركوه وراء ظهورهم ، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعَبَدة الأوثان ، وسائر أهل الأديان الباطلة ، مما عدا أهل الإسلام ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [ الأنعام : 159 ] ، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملَل باطلة ، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء ، وهذه الأمة{[22849]} أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة{[22850]} إلا واحدة ، وهم أهل السنة والجماعة ، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله{[22851]} صلى الله عليه وسلم ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين ، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه ، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل ، عليه السلام{[22852]} عن الفرقة الناجية منهم ، فقال : " ما أنا عليه [ اليوم ]{[22853]} وأصحابي " {[22854]} .


[22849]:- في ت: "الآية".
[22850]:- في أ: "ضالة".
[22851]:- في ف: "رسوله".
[22852]:- في ف، أ: "صلى الله عليه وسلم".
[22853]:- زيادة من: أ، والمستدرك.
[22854]:- المستدرك (1/128، 129)، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ص (63): "إسناده حسن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (32)

وقوله : مِنَ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا يقول : ولا تكونوا من المشركين الذين بدّلوا دينهم ، وخالفوه ففارقوه وكانوا شِيَعا يقول : وكانوا أحزابا فرقا كاليهود والنصارى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا : وهم اليهود والنصارى .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا إلى آخر الاَية ، قال : هؤلاء يهود ، فلو وجّه قوله مِنَ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ إلى أنه خبر مستأنف منقطع عن قوله : وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ وأن معناه : من الذين فرّقوا دِينَهُم وكانُوا شِيَعا أحزابا كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ كان وجها يحتمله الكلام .

وقوله : كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ يقول : كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فارقوا دينهم الحقّ ، فأحدثوا البدع التي أحدثوا بما لديهم فرحون . يقول : بما هم به متمسكون من المذهب ، فرحون مسرورون ، يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ} (32)

و «الشيع » الفرق واحدها «شيعة » ، وقوله { كل حزب بما لديهم فرحون } معناه أنهم مفتونون بآرائهم معجبون بضلالهم ، وذلك أضل لهم ، وقرأت فرقة «فارقوا دينهم » بالألف{[9316]} .


[9316]:هي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبها قرأ حمزة والكسائي، والمعنى: فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه وهو التوحيد.