{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } أي : وإن عيسى عليه السلام ، لدليل على الساعة ، وأن القادر على إيجاده من أم بلا أب ، قادر على بعث الموتى من قبورهم ، أو وإن عيسى عليه السلام ، سينزل في آخر الزمان ، ويكون نزوله علامة من علامات الساعة { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا } أي : لا تشكن في قيام الساعة ، فإن الشك فيها كفر . { وَاتَّبِعُونِ } بامتثال ما أمرتكم ، واجتناب ما نهيتكم ، { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } موصل إلى الله عز وجل ،
وقوله : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } : تقدم تفسير ابن إسحاق : أن المراد من ذلك : ما بُعث به عيسى ، عليه السلام ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك من الأسقام . وفي هذا نظر . وأبعد منه ما حكاه قتادة ، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير : أي الضمير في { وإنه } ، عائد على القرآن ، بل الصحيح أنه عائد على عيسى [ عليه السلام ]{[26108]} ، فإن السياق في ذكره ، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ، كما قال تبارك وتعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } أي : قبل موت عيسى ، عليه الصلاة والسلام ، ثم { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } [ النساء : 159 ] ، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى : " وإنه لعَلَم للساعة " أي : أمارة ودليل على وقوع الساعة ، قال مجاهد : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } أي : آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة . وهكذا روي عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[26109]} ، وابن عباس ، وأبي العالية ، وأبي مالك ، وعكرمة ، والحسنن وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى [ ابن مريم ]{[26110]} ، عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا .
وقوله : { فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا } أي : لا تشكوا{[26111]} فيها ، إنها واقعة وكائنة لا محالة ، { واتبعون } أي : فيما أخبركم به { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّهُ لَعِلْمٌ لّلسّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنّ بِهَا وَاتّبِعُونِ هََذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ * وَلاَ يَصُدّنّكُمُ الشّيْطَانُ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ } .
اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : وإنّهُ وما المعنيّ بها ، ومن ذكر ما هي ، فقال بعضهم : هي من ذكر عيسى ، وهي عائدة عليه . وقالوا : معنى الكلام : وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجيء الساعة ، لأن ظهوره من أشراطها ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا ، وإقبال الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن يحيى ، عن ابن عباس ، «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للِسّاعَةِ » قال : خروج عيسى بن مريم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس بمثله ، إلا أنه قال : نزول عيسى بن مريم .
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ ، قال : حدثنا غالب بن قائد ، قال : حدثنا قيس ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » قال : نزول عيسى بن مريم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن فضيل بن مرزوق ، عن جابر ، قال : كان ابن عباس يقول : ما أدري علم الناس بتفسير هذه الاَية ، أم لم يفطنوا لها ؟ «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » قال : نزول عيسى ابن مريم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » قال : نزول عيسى ابن مريم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك وعوف عن الحسن أنهما قالا في قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قالا : نزول عيسى ابن مريم وقرأها أحدهما «وإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قال : آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ قال : نزول عيسى ابن مريم علم للساعة : القيامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَة » قال : نزول عيسى ابن مريم علم للساعة .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قال : خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ يعني خروج عيسى ابن مريم ونزوله من السماء قبل يوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَة قال : نزول عيسى ابن مريم علم للساعة حين ينزل .
وقال آخرون : الهاء التي في قوله : وَإنّهُ من ذكر القرآن ، وقالوا : معنى الكلام : وإن هذا القرآن لعلم للساعة يعلمكم بقيامها ، ويخبركم عنها وعن أهوالها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول : «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » هذا القرآن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : كان ناس يقولون : القرآن علم للساعة . واجتمعت قرّاء الأمصار في قراءة قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ على كسر العين من العلم . ورُوي عن ابن عباس ما ذكرت عنه في فتحها ، وعن قتادة والضحاك .
والصواب من القراءة في ذلك : الكسر في العين ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ ، وإنه لذكر الساعة ، فذلك مصحح قراءة الذين قرأوا بكسر العين من قوله : لَعِلْمٌ .
وقوله : فَلا تَمْتَرُنّ بِها يقول : فلا تشكنّ فيها وفي مجيئها أيها الناس . كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَلا تَمْتَرُنّ بِها قال : تشكون فيها .
وقوله : وَاتّبِعُونِ يقول تعالى ذكره : وأطيعون فاعملوا بما أمرتكم به ، وانتهوا عما نهيتكم عنه ، وَهَذا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول : اتباعكم إياي أيها الناس في أمري ونهيي صراط مستقيم ، يقول : طريق لا اعوجاج فيه ، بل هو قويم .
والضمير في قوله : { وإنه لعلم } قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد : الإشارة به إلى عيسى . وقالت فرقة : إلى محمد عليه السلام . وقال الحسن أيضاً وقتادة : إلى القرآن .
وقرأ جمهور الناس : «لعِلْم » بكسر العين وسكون اللام . وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك : «لعَلَم » بفتح العين واللام ، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس : «لَلعلم » بلامين ، الأولى مفتوحة . وقرأ أبي بن كعب : «لذَكر للساعة » .
فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها ، يعني خروجه في آخر الزمان ، وكذلك من قال : الإشارة إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، أي هو آخر الأنبياء ، فقد تميزت الساعة به نوعاً وقدراً من التمييز ، وبقي التحديد التام الذي انفرد الله بعلمه ، ومن قال : الإشارة إلى القرآن ، حسن قوله في قراءة من قرأ : «لعِلْم » بكسر العين وسكون اللام ، أي يعلمكم بها وبأهوالها وصفاتها ، وفي قراءة من قرأ : «لذكر » .
وقوله : { فلا تمترن } أي قل لهم يا محمد لا تشكون فيها . وقوله : { هذا صراط مستقيم } إشارة إلى الشرع .