تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

{ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } فإنها معاذير لا تقبل ، ولا تقابل ما يقرر به العبد{[1293]} ، فيقر به ، كما قال تعالى : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } .

فالعبد وإن أنكر ، أو اعتذر عما عمله ، فإنكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا ، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره ، وجميع جوارحه بما كان يعمل ، ولأن استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه : { فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }


[1293]:- في ب: بل يقرر بعمله.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

وقال مجاهد : { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } ولو جادل عنها فهو بصير عليها . وقال قتادة : { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه . وقال السدي : { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } حجته . وكذا قال ابن زيد ، والحسن البصري ، وغيرهم . واختاره ابن جرير .

وقال قتادة ، عن زرارة ، عن ابن عباس : { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } يقول : لو ألقى ثيابه .

وقال الضحاك : ولو أرخى ستوره ، وأهل اليمن يسمون الستر : المعذار .

والصحيح قول مجاهد وأصحابه ، كقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وكقوله { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ } [ المجادلة : 18 ] .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } هي الاعتذار{[29545]} ألم تسمع أنه قال : { لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } [ غافر : 52 ] وقال { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ } [ النحل : 87 ] { فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ } [ النحل : 28 ] وقولهم { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }


[29545]:- (1) في أ: "هي الأعذار".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

وقوله : ولَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ اختلف أهل الرواية في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه ، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم ، وركب من المعاصي ، وجادل بالباطل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ يعني الاعتذار ، ألم تسمع أنه قال : لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ، وقال الله : «وألقوا إلى الله يومئذٍ السّلَم ما كنا نعمل من سوء » وقولهم : وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبير ، في قولهّ : بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةُ قال : شاهد على نفسه ولو اعتذر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَو ألْقَى مَعاذِيرَهُ ولو جادل عنها ، فهو بصيرة عليها .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن عمران بن حدير ، قال : سألت عكرمة ، عن قوله : بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصيرَةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعاذيرَهُ قال : فسكت ، فقلت له : إن الحسن يقول : ابن آدم عملك أولى بك ، قال : صدق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ قال : معاذيرهم التي يعتذرون بها بوم القيامة فلا ينتفعون بها ، قال : يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ، ويعتذرون بالكذب .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد . ذكر من قال ذلك :

حدثني نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ قال : لو تجرّد .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا رَوّاد ، عن أبي حمزة ، عن السديّ ، في قوله : وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ ولو أرخى الستور ، وأغلق الأبواب .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ لم تقبل . ذكر من قال ذلك :

حدثني نصر بن عليّ ، قال : ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن الحسن : وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ لم تُقبل معاذيره .

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : معناه : ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدا من نفسه بقوله بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك ، ولو جادل عنها بالباطل ، واعتذر بغير الحقّ ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

و «المعاذير » هنا قال الجمهور : هي الأعذار جمع معذرة ، وقال السدي والضحاك : هي الستور بلغة اليمن يقولون للستر : المعذار{[11470]} ، وقال الحسن : المعنى { بل الإنسان على نفسه } بلية ومحنة ، كأنه ذهب إلى البصيرة التي هي طريقة الدم وداعية طلب الثأر{[11471]} وفي هذا نظر .


[11470]:وفي ذلك يقول الشاعر: ولكنها ضنت بمنزل ساعة علينا وأطت فوقها بالمعاذر
[11471]:في اللسان : "والبصيرة: مقدار الدرهم من الدم، والبصيرة: الثأر، وقيل: البصيرة من الدم ما لم يسل، وقيل: هو الدفعة منه، وقيل: البصيرة دم البكر، قال: راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عتد وأي يعني بالبصائر دم أبيهم، يقول: تركوا دم أبيهم خلفهم ولم يثأروا به وطلبته أنا".