اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

قوله : { وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَه } . هذه الجملة حالية ، وقد تقدم نظيرها مراراً .

والمعاذير : جمع معذرة على غير قياس ك " ملاقيح ومذاكير " جمع لقحة وذكر .

وللنحويين في مثل هذا قولان :

أحدهما : أنه جمع لملفوظ به وهو لقحة وذكر .

والثاني : أنه جمع لغير ملفوظ به بل لمقدَّر ، أي ملقحة ومذكار .

وقال الزمخشري : " فإن قلت : أليس قياس «المَعْذِرة » أن تجمع على معاذر لا معاذير ؟ .

قلت : «المعاذير » ليست جمع «معذرة » بل اسم جمع لها ، ونحوه : «المناكير » في المُنْكَر " .

قال أبو حيان{[58680]} : " وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع ، وإنما هو من أبنية جموع التكسير " انتهى .

وقيل : " مَعاذِير " جمع مِعْذار ، وهو السِّتر ، والمعنى : ولو أرخى ستوره ، والمعاذير : الستور بلغة " اليمن " {[58681]} ، قاله الضحاك والسديُّ ، وأنشد : [ الطويل ]

4993 - ولكِنَّهَا ضَنَّتْ بمَنْزلِ سَاعةٍ***عَليْنَا وأطَّتْ فوْقهَا بالمعَاذِرِ{[58682]}

قال الزجاج : المعاذير : الستور ، والواحد : معذار . أي وإن أرخى ستوره يريد أن يخفى عمله فنفسه شاهدة عليه ، وقد حذف الياء من «المعاذر » ضرورة .

وقال الزمخشري : «فإن صح - يعني أن المعاذير : الستور - فلأنه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب » . وهذا القول منه يحتمل أن يكون بياناً للمعنى الجامع بين كون المعاذير : الستور والاعتذارات ، وأن يكون بياناً للعلاقة المسوِّغة في التجويز .

فصل في معنى الآية

قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن زيد وأبو العالية وعطاء والفراء والسديُّ : المعنى : ولو اعتذر وقال : لم أفعل شيئاً لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه ، فهو وإن اعتذر وجادل عن نفسه فعليه شاهد يكذِّب عذرهُ " {[58683]} .

وقال مقاتل : ولو أدلى بعُذرٍ أو حجة لم ينفعه ذلك ، نظيره قوله تعالى : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }{[58684]}[ المرسلات : 36 ] فالمعاذير على هذا مأخوذة من العُذْر .

وحكى الماوردي عن ابن عباس : " ولو ألقى معاذيره " أي ولو تجرد من ثيابه{[58685]} .


[58680]:ينظر البحر المحيط 8/386.
[58681]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/467) وعزاه إلى ابن المنذر.
[58682]:ينظر القرطبي 19/66، والبحر 8/378، والدر المصون 6/429.
[58683]:ينظر تفسير القرطبي (16/66).
[58684]:ينظر المصدر السابق.
[58685]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/337) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/467) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.