المسألة الرابعة- قوله تعالى : " ولو ألقى معاذيره " ومعناه لو اعتذر بعد الإقرار لم يقبل منه . وقد اختلف العلماء فيمن رجع بعد ما أقر في الحدود التي هي خالص حق الله ، فقال أكثرهم منهم الشافعي وأبو حنيفة : يقبل رجوعه بعد الإقرار . وقال به مالك في أحد قوليه ، وقال في القول الآخر : لا يقبل إلا أن يذكر لرجوعه وجها صحيحا .
والصحيح جواز الرجوع مطلقا ؛ لما روى الأئمة منهم البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رد المقر بالزنى مرارا أربعا كل مرة يعرض عنه ، ولما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( أبك جنون ) قال : لا . قال : ( أحصنت ) قال : نعم . وفي حديث البخاري : ( لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ) . وفي النسائي وأبي داود : حتى قال له في الخامسة ( أجامعتها{[15624]} ) قال : نعم . قال : ( حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ) قال : نعم . قال : ( كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ) . قال : نعم . ثم قال : ( هل تدري ما الزنى ) قال : نعم ، أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا . قال : ( فما تريد مني ) ؟ قال : أريد أن تطهرني . قال : فأمر به فرجم . قال الترمذي وأبو داود : فلما وجد مس الحجارة فر يشتد{[15625]} ، فضربه رجل بلحى جمل ، وضربه الناس حتى مات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هلا تركتموه ) وقال أبو داود والنسائي : ليثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما لترك حد فلا . وهذا كله طريق للرجوع وتصريح بقبوله . وفي قوله عليه السلام : ( لعلك قبلت أو غمزت ) إشارة إلى قول مالك : إنه يقبل رجوعه إذا ذكر وجها .
الخامسة- وهذا في الحر المالك لأمر نفسه ، فأما العبد فإن إقراره لا يخلو من أحد قسمين : إما أن يقر على بدنه ، أو على ما في يده وذمته ، فإن أقر على ما في بدنه فيما فيه عقوبة من القتل فما دونه نفذ ذلك عليه . وقال محمد بن الحسن : لا يقبل ذلك منه ؛ لأن بدنه مستغرق لحق السيد ، وفي إقراره إتلاف حقوق السيد في بدنه ؛ ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإن من يبدلنا صفحته نقم عليه الحد ) . المعنى : أن محل العقوبة أصل الخلقة ، وهي ( الدمية{[15626]} ) في الآدمية ، ولا حق للسيد فيها ، وإنما حقه في الوصف والتبع ، وهي المالية الطارئة عليه ، ألا ترى أنه لو أقر بمال لم يقبل ، حتى قال أبو حنيفة : إنه لو قال سرقت هذه السلعة أنه لم تقطع يده ويأخذها المقر له . وقال علماؤنا : السلعة للسيد ويتبع العبد بقيمتها إذا عتق ؛ لأن مال العبد للسيد إجماعا ، فلا يقبل قوله فيه ولا إقراره عليه ، لا سيما وأبو حنيفة يقول : إن العبد لا ملك له ولا يصح أن يملك ولا يملك ، ونحن وإن قلنا إنه يصح تملكه . ولكن جميع ما في يده لسيده بإجماع على القولين . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.