روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ} (15)

وقوله تعالى { وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ } أي ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه حال من المسكن في { بصيرة } أو من مرفوع { ينبؤ } أي هو على نفسه حجة وهو شاهد عليها ولو أتي بكل عذر في الذب عنها ففيه تنبيه على أن الذب لا رواج له أو ينبؤ بأعماله ويجازي ويعاقب لا محالة ولو أتي بكل عذر فهو تأكيد لما يفهم من مجموع قوله تعالى ينبأ الإنسان الخ والمعاذير جمع معذرة بمعنى العذر على خلاف القياس والقياس معاذر بغير ياء وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في اطلاق ذلك على الجموع المخالفة للقياس وإلا فهو ليس من أبنية اسم الجمع وقال صاحب الفرائد يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من اشباع الكسرة وهو كما ترى أو جمع معذار على القياس وهو بمعنى العذر وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات نعم قال السدى والضحاك المعاذير الستور بلغة اليمن واحدها معذار وحكى ذلك عن الزجاج أي ولو ارخى ستوره والمعنى أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يعني عنه شيئاً لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم } [ فصلت : 22 ] الآية وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر فالمعنى بل الإنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو تستر بالستور ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد كما تقدم والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الاعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بالقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروى للعطش ويشير إلى هذا قول السدى في ذلك ولو أدلي بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولو أحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين ولو على جميع هذه الأقوال اما أن يكون معنى الشرطية منسلخا عنها كما قيل فلا جواب لها وإما أن يكون باقياً فيها فالجواب محذوف يدل عليه ما قبل واستظهر الخفاجي الأول وفي الآية على بعض وجوهها دليل كما قال ابن العربي على قبول إقرار المرء على نفسه وعدم قبول الرجوع عنه والله تعالى أعلم