الآيتان 14و15 : وقوله تعالى : { بل الإنسان على نفسه بصيرة }{ ولو ألقى معاذيره } هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : جائز أن يكون أراد بهذا في الدنيا أن الإنسان بصير بعمل نفسه ، وإن جادل عنها أنه لم يفعل ذلك ، وأسر ذلك عن [ الناس ]{[22780]}{ ولو ألقى معاذيره } أي ألقى الستور بما كسبت نفسه ، والمعذار هو الستر .
والوجه الثاني : أن يكون في الآخرة ، وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الإنسان وإن كان يعتذر يوم القيامة بقوله : { والله ربنا ما كنا مشركين }[ النعام : 23 ] وقوله{[22781]} : { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم }[ المجادلة : 18 ] فيقدمون على الحلف اعتذارا منهم[ على العلم منهم ]{[22782]} أنهم مبطلون في جدالهم .
والثاني : أن يكون معنى البصيرة الشاهد أي أن الإنسان على نفسه[ شاهد يوم القيامة بسوء أفعاله ، وإن ألقى معاذيره ، أي وإن ]{[22783]} شهدت عليه جوارحه ، وذلك نحو قوله عز وجل : { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون }[ يس : 65 ] وقوله تعالى : { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم } الآية[ فصلت : 20 ] .
فإن قيل : إن الإنسان مذكّر كيف وصفه{[22784]} بالبصيرة بلفظة التأنيث بقوله : { بل الإنسان على نفسه بصيرة } ولم يقل : بصير ؟ فجوابه من أوجه :
أحدها : ما قيل : إن الإنسان تسمية جنس ، فيه الجماعة ، ولا أن يكون تسمية للشخص الواحد فقط . ألا ترى إلى قوله : { والعصر }{ إن الإنسان لفي خسر }{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات }[ العصر : 1و2و3 ] استثنى الذين آمنوا من قوله : { إن الإنسان لفي خسر } ولا تستثنى الجماعة من الواحد ، وكذلك قوله عز وجل : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } { ثم رددناه أسفل سافلين }{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية[ التين : 4و5و6 ] فاستثنى الذين آمنوا من الإنسان ، فثبت أن الإنسان تسمية جنس ، والجنس جماعة ، وتكون الجماعة مضمرة فيه ؛ كأنه قال : إن جماعة الناس على أنفسهم بصيرة ، فيكون قوله{ بصيرة } راجعا إلى الجماعة ، والله أعلم .
[ والثاني ]{[22785]} : قوله : { بصيرة } وصف للإنسان بالغاية من البصر بكل ما عمل حتى لا يغرب عنه شيء ، والهاء قد تدخل في خطاب المذكر عند الوصف بالمبالغة كقولك : فلان علاّمة ونسّابة ورواية للشعر وبالغة في النحو
والثالث : أن الإنسان تسمية ما يراه بجوارحه كلها من الأيدي والأرجل والسمع والبصر والرأس ، ونحو ذلك : نفس أمارة بالسوء ، فتصير جوارحه كلها بصيرة أي شاهدة عليه بما قدم ، وأخر .
وجائز أن يكون هذا على الإضمار ، فيكون قوله : { بل الإنسان على نفسه بصيرة } أي نفس الإنسان بصيرة بما عملت .
ثم من الناس من يثبت للجوارح العلم بما كسبت نفسه حتى تصير شاهدة عليه يوم القيامة لقوله : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون }[ النور : 24 ] ولو لم يكن لها العلم بما قدمت نفسه لا تشهد بما لا تعلم .
وليس الأمر عندنا على ما زعموا لأنها لو علمت بذلك لكان صاحبها يصل إلى العلم من جهتها .
ألا ترى أن القلب لما ثبتت له المعرفة وقع لصاحبه العلم من جهته ؟ كذلك السمع لما جعل منه وقع لصاحبه علم المسموع به ، ولما كان بعينه يبصر الأشياء كان علم البصر واقعا من جهتها .
فلما لم يقع له العلم بيديه ولا برجليه ولا بشيء من جوارحه سوى القلب علم أنه لا حظّ لها في المعرفة ، ولكن جعلت هي شاهدة وحجة يوم القيامة ، تشهد على صاحبها بما يحدث الله تعالى فيها علما ضروريا بذلك ، لا أن كان لها علم بالذي شهدت قبل ذلك كما جعلت ناطقة{[22786]} في ذلك الوقت ، لا أن كان النطق فيها موجودا من قبل ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.