تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

{ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا }

كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم{[184]}  وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان ، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء لأنهم -بزعمهم- أهل الحرب والقتال والنهب والسلب ، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يشرع لعباده شرعًا ، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم ، وأقوياؤهم وضعفاؤهم . وقدم بين يدي ذلك أمرا مجملا لتتوطَّن على ذلك النفوس .

فيأتي التفصيل بعد الإجمال ، قد تشوفت له النفوس ، وزالت الوحشة التي منشؤها العادات القبيحة ، فقال : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ } : أي : قسط وحصة { مِمَّا تَرَكَ } أي : خلف { الْوَالِدَان } أي : الأب والأم { وَالْأَقْرَبُونَ } عموم بعد خصوص { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ }

فكأنه قيل : هل ذلك النصيب راجع إلى العرف والعادة ، وأن يرضخوا لهم ما يشاءون ؟ أو شيئا مقدرا ؟ فقال تعالى : { نَصِيبًا مَفْرُوضًا } : أي : قد قدره العليم الحكيم . وسيأتي -إن شاء الله- تقدير ذلك .

وأيضا فهاهنا توهم آخر ، لعل أحدا يتوهم أن النساء والولدان ليس لهم نصيب إلا من المال الكثير ، فأزال ذلك بقوله : { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ } فتبارك الله أحسن الحاكمين .


[184]:- في النسختين: جبريتهم.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

قال سعيد بن جبير وقتادة : كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا ، فأنزل الله : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ [ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ]{[6643]} } أي : الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى ، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله [ تعالى ]{[6644]} لكل منهم ، بما يدلي به إلى الميت من قرابة ، أو زوجية ، أو ولاء . فإنه لُحْمَة كَلُحمة النسب . وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هَرَاسة{[6645]} عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : جاءت أم كُجَّة{[6646]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن لي ابنتين ، وقد مات أبوهما ، وليس لهما شيء ، فأنزل الله تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ } الآية ، وسيأتي هذا الحديثُ عند آيتي الميراث بسياق آخر ، والله أعلم .


[6643]:زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[6644]:زيادة من أ.
[6645]:في جـ: "من طريق ابن راهويه" وفي أ: "من طريق هواسة".
[6646]:في ر: "لجه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مّفْرُوضاً } .

يعني بذلك تعالى ذكره : للذكور من أولاد الرجل الميت حصة من ميراثه وللإناث منهم حصة منه ، من قليل ما خلف بعده وكثيره حصة مفروضة واجبة معلومة مؤقتة . وذكر أن هذه الاَية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث . كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : كانوا لايورثون النساء ، فنزلت : { وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : نزلت في أم كُحة وابنة كحة وثعلبة وأوس بن سويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهم زوجها ، والاَخر عمّ ولدها ، فقالت : يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته ، فلم نورّث ، فقال عمّ ولدها : يا رسول الله لا تركب فرسا ، ولا تحمل كلاّ ، ولا تنكأ عدوّا يكسب عليها ، ولا تكتسب . فنزلت : { للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ وللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنْهُ أوْ كَثُرَ نَصِيبا مَفُرُوضا } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { للرِجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ } قال : كان النساء لا يرثن في الجاهلية من الاَباء ، وكان الكبير يرث ولا يرث الصغير وإن كان ذكرا ، فقال الله تبارك وتعالى : { للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } إلى قوله : { نَصِيبا مَفرُوضا } .

قال أبو جعفر : ونصب قوله : { نَصِيبا مَفْرُوضا } وهو نعت للنكرة لخروجه مخرج المصدر ، كقول القائل : لك عليّ حقّ واجبا ، ولو كان مكان قوله : { نَصِيبا مَفْرُوضا } اسم صحيح لم يجز نصبه ، لا يقال : لك عندي حقّ درهما ، فقوله : { نَصِيبا مَفُرُوضا } كقوله : نصيبا فريضة وفرضا ، كما يقال : عندي درهم هبة مقبوضة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } يريد بهم المتوارثين بالقرابة . { مما قل منه أو كثر } بدل مما ترك بإعادة العامل . { نصيبا مفروضا } نصب على أنه مصدر مؤكد كقوله تعالى : { فريضة من الله } أو حال إذ المعنى : ثبت لهم مفروضا نصيب ، أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مقطوعا واجبا لهم ، وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه . روي ( أن أوس بن الصامت الأنصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات ، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة . أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية ، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون : إنما يرث . من يحارب ويذب عن الحوزة ، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ فشكت إليه فقال : ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله . فنزلت فبعث إليهما : لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن الله قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزلت { يوصيكم الله } فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابن العم ) . وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقف الخطاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

سمى الله عز وجل الأب والداً لأن الولد منه ومن الوالدة ، كما قال الشاعر : [ الرجز ]

*بِحَيْثُ يَعْتشُّ الغُرَابُ البَائِضُ*

لأن البيض من الأنثى والذكر{[3859]} ، قال قتادة وعكرمة وابن زيد : وسبب هذه الآية ، أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقول : لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فنزلت هذه الآية ، قال عكرمة : سببها خبر أم كحلة{[3860]} ، مات زوجها وهو أوس بن سويد وترك لها بنتاً فذهب عم بنيها إلى أن لا ترث فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال العم : هي يا رسول الله لا تقاتل ولا تحمل كلاً ويكسب عليها ولا تكسب ، واسم العم ثعلبة فيما ذكره . و { نصيباً مفروضاً } ، نصب على الحال ، كذا قال مكي ، وإنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال ، تقديره : فرضاً لذلك جاز نصبه ، كما تقول : لك عليَّ كذا وكذا حقاً واجباً ، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب ، ولكان حقه الرفع .


[3859]:- قال أبو حيان "لا يتعين أن يراد بالغراب هنا الذكر لأن لفظ الغراب يطلق على الذكر والأنثى، وليس مما فرق بينه وبين مؤنثه بالتاء، أما وصفه بالبائض فهو حمل على اللفظ. البحر المحيط 3/ 175.
[3860]:- كذا ورد الاسم هنا، وهذه رواية أبي موسى عن المستغفري (كحْلة) بسكون المهملة بعدها لأم؛ والمشهور أنها أم (كجة)، وأن زوجها مات وترك لها ثلاث بنات، وتختلف الروايات في أمرها اختلافا بينا، فهي زوج أوس بن ثابت، أو ثابت بن قيس، أو سعد بن الربيع، أو أوس بن مالك...إلخ. (انظر الإصابة 8/270).