تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة ألهاكم التكاثر ، وهي مكية .

{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }

يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كل شيء : { أَلْهَاكُمُ } عن ذلك المذكور { التَّكَاثُرُ } ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من التكاثر في الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر ، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى{[1473]} .


[1473]:- في ب: وليس المقصود منه وجه الله.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة التكاثر

وهي مكية .

يقول تعالى : شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر ، وصرتم من أهلها ؟ !

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا زكريا بن يحيى الوَقار المصري ، حدثنا خالد بن عبد الدايم ، عن ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } عن الطاعة ، { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } حتى يأتيكم الموت " {[30452]} .

وقال الحسن البصري : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } في الأموال والأولاد .

وفي صحيح البخاري ، في " الرقاق " منه : وقال لنا أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، عن أبي بن كعب قال : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } يعني : " لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة : سمعت قتادة يحدث عن مُطَرِّف - يعني ابن عبد الله بن الشخير - عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } يقول ابن آدم : مالي مالي . وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " . ورواه مسلم والترمذي والنسائي ، من طريق شعبة ، به{[30453]} .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا حفص بن ميسرة ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول العبد : مالي مالي ؟ وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو تصدق فاقتنى ، {[30454]} وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " . تفرد به مسلم{[30455]} .

وقال البخاري : حدثنا الحُمَيدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، سمع أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتبع الميت ثلاثةٌ ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " .

وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ، به{[30456]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يهرم ابن آدم وتبقى منه اثنتان : الحرص والأمل " . أخرجاه في الصحيحين{[30457]} .

وذكر الحافظ ابن عساكر ، في ترجمة الأحنف بن قيس{[30458]} - واسمه الضحاك - أنه رأى في يد رجل درهما فقال : لمن هذا الدرهم ؟ فقال الرجل : لي . فقال : إنما هو لك إذا أنفقته في أجر ، أو ابتغاء شكر . ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر :

أنتَ للمال إذا أمسكتَه *** فإذا أنفقتَه فالمالُ لَكْ

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة قال : صالح بن حيان حدثني عن ابن بريدة في قوله : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار ، في بني حارثة وبني الحارث ، تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : فيكم مثلُ فلان بن فلان ، وفلان ؟ وقال الآخرون مثل ذلك ، تفاخروا{[30459]} بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور . فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ؟ يشيرون إلى القبر ، ومثل فلان ؟ وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل .

وقال قتادة : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان{[30460]} ، ونحن أعَدُّ من بني فلان ، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .

والصحيح أن المراد بقوله : { زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أي : صرتم إليها ودفنتم فيها ، كما جاء في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده ، فقال : " لا بأس ، طهور إن شاء الله " . فقال : قلت : طَهُور ؟ ! بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير ، تُزيره القبور ! قال : " فَنَعَم إذًا " {[30461]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، أخبرنا حكام بن سلم الرازي ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن المنْهال ، عن زر بن حُبَيْش ، عن علي قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ }

ورواه الترمذي عن أبي كُرَيب ، عن حَكَّام بن سلم{[30462]} [ به ]{[30463]} وقال : غريب{[30464]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن داود العُرضي{[30465]} حدثنا أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز ، فقرأ : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } فلبث هنيهة{[30466]} فقال : يا ميمون ، ما أرى المقابر إلا زيارة ، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله .

قال أبو محمد : يعني أن يرجع إلى منزله إلى جنة أو نار . وهكذا ذُكر أن بعضَ الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية : { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } فقال : بُعثَ اليوم{[30467]} ورَب الكعبة . أي : إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره .


[30452]:- (1) وهذا معضل، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف.
[30453]:- (2) المسند (4/24) وصحيح مسلم برقم (2958) وسنن الترمذي برقم (3354) وسنن النسائي (6/238).
[30454]:- (3) في أ: "فأبقى".
[30455]:- (4) صحيح مسلم برقم (2959).
[30456]:- (1) صحيح البخاري برقم (6514) وصحيح مسلم برقم (2960) وسنن الترمذي برقم (2379) وسنن النسائي الكبرى برقم (2064).
[30457]:- (2) المسند (3/115) وصحيح البخاري برقم (6421) وصحيح مسلم برقم (1047).
[30458]:- (3) تاريخ دمشق (8/443 "المخطوط" ).
[30459]:- (4) في م: "وتفاخروا".
[30460]:- (5) في أ: "من بني إسرائيل".
[30461]:- (6) صحيح البخاري برقم (5662، 5656، 7470).
[30462]:- (1) في أ: "سليم".
[30463]:- (2) زيادة من م، أ.
[30464]:- (3) سنن الترمذي برقم (3355).
[30465]:- (4) في أ: "العرمي".
[30466]:- (5) في أ: "هنية".
[30467]:- (6) في أ: "القوم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ التّكّاثُرُ * حَتّىَ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ * ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } .

** يقول تعالى ذكره : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم ، وعما ينجيكم من سخطه عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حتى زُرْتُمُ المَقابِرَ } قال : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعدّ من بني فلان ، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ } قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً .

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام يدلّ على أن معناه التكاثر بالمال . ذكر الخبر بذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام الدّستَوائيّ ، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، عن أبيه أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابرَ } قال : «ابنَ آدم ، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبِست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » .

حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُنَاني ، عن أنس بن مالك ، عن أُبيّ بن كعب ، قال : كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن : «لو أن لابن آدم واديين من مالٍ ، لتمنى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا التّراب ، ثم يتوب الله على من تاب » ، حتى نزلت هذه السورة : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ } إلى آخرها .

وقوله صلى الله عليه وسلم بعَقِب قراءته : «ألهاكُمُ » : ليس لك من مالك إلا كذا وكذا ، ينبىء أن معنى ذلك عنده : ألهاكم التكاثر : المال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التكاثر مختلف فيها ، وآيها ثماني آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم . ألهاكم : شغلكم ، وأصله الصرف إلى اللهو ، منقول من لها إذا غفل . التكاثر : التباهي بالكثرة .