{ 4 } { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
وهذا من لطفه بعباده أنه ما أرسل رسولا { إلا بلسان قومه ليبين لهم } ما يحتاجون إليه ، ويتمكنون من تعلم ما أتى به ، بخلاف ما لو كانوا على غير لسانهم ، فإنهم يحتاجون إلى أن يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها ، ثم يفهمون عنه ، فإذا بين لهم الرسول ما أمروا به ، ونهوا عنه وقامت عليهم حجة الله { فيضل الله من يشاء } ممن لم ينقد للهدى ، ويهدي من يشاء ممن اختصه برحمته .
{ وهو العزيز الحكيم } الذي -من عزته- أنه انفرد بالهداية والإضلال ، وتقليب القلوب إلى ما شاء ، ومن حكمته أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله إلا بالمحل اللائق به .
ويستدل بهذه الآية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله أمور مطلوبة محبوبة لله لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها إلا إذا كان الناس بحالة لا يحتاجون إليها ، وذلك إذا تمرنوا على العربية ، ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم فحينئذ قد اكتفوا المؤنة ، وصلحوا لأن يتلقوا عن الله وعن رسوله ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم .
هذا من لطفه تعالى بخلقه : أنه يرسل إليهم رسلا{[15739]} منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، عن عمر{[15740]} بن ذر قال : قال مجاهد : عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يبعث الله ، عز وجل ، نبيا إلا بلغة قومه " {[15741]} .
وقوله : { فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } أي : بعد البيان وإقامة الحجة عليهم يضل تعالى من يشاء عن وجه الهدى ، ويهدي من يشاء إلى الحق ، { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، { الحكيم } في أفعاله ، فيضل من يستحق الإضلال ، ويهدي من هو أهل لذلك .
وقد كانت هذه سنة الله في خلقه : أنه ما بعث نبيا في أمة إلا أن يكون بلغتهم ، فاختص كل نبي بإبلاغ رسالته إلى أمته دون غيرهم ، واختص محمد بن عبد الله رسول الله بعموم الرسالة إلى سائر الناس ، كما ثبت في الصحيحين عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسًا لم يُعطَهُن أحد من الأنبياء قبلي : نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا ، وأحلَّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة " {[15742]} .
وله شواهد من وجوه كثيرة ، وقال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ فَيُضِلّ اللّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا إلى أمة من الأمم يا محمد من قبلك ومن قبل قومك رسولاً إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليها ولغتهم ، ليُبَيّنَ لهم يقول : ليفهمهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونهيه ، ليثبت حجة الله عليهم ، ثم التوفيق والخذلان بيد الله ، فيخذل عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم ، ويوفّق لقبوله من شاء ولذلك رفع «فيُضلّ » ، لأنه أريد به الابتداء لا العطف على ما قبله ، كما قيل : لنُبَيّنَ لَكُمْ ونُقِرّ في الأرْحَامِ ما نَشاءُ ، وهو العزيز الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أراد ذلك به ، والحكيم في توفيقه للإيمان من وفقه له وهدايته له من هداه إليه ، وفي إضلاله من أضلّ عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسان قَوْمِهِ : أي بلغة قومه ما كانت ، قال الله عزّ وجلّ : ليُبَيّنَ لَهُمْ الذي أرسل إليهم ليتخذ بذلك الحجة ، قال الله عزّ وجلّ : فَيُضِلّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.