تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

{ 41 - 42 ْ } { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ْ }

يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين { الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ ْ } أي : في سبيله وابتغاء مرضاته { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ْ } بالأذية والمحنة من قومهم ، الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك ، فتركوا الأوطان والخلان ، وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن ، فذكر لهم ثوابين : ثوابا عاجلا في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء ، الذي رأوه عيانا بعد ما هاجروا ، وانتصروا على أعدائهم ، وافتتحوا البلدان وغنموا منها الغنائم العظيمة ، فتمولوا وآتاهم الله في الدنيا حسنة .

{ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ ْ } الذي وعدهم الله على لسان رسوله { أَكْبَرُ ْ } من أجر الدنيا ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ْ } وقوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ْ } أي : لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله لم يتخلف عن ذلك أحد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته ، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان ، رجاء ثواب الله وجزائه .

ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مُهاجرة الحبشة الذي اشتد أذى قومهم لهم بمكة ، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ، ليتمكنوا من عبادة ربهم ، ومن أشرافهم : عثمان بن عفان ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعفر بن أبي طالب ، ابن عم الرسول{[16455]} وأبو سلمة بن عبد الأسد{[16456]} في جماعة قريب من ثمانين ، ما بين رجل وامرأة ، صديق وصديقة ، رضي الله عنهم وأرضاهم . وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً } قال ابن عباس والشعبي ، وقتادة : المدينة . وقيل : الرزق الطيب ، قاله مجاهد .

ولا منافاة بين القولين ، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرًا منها{[16457]} في الدنيا ، فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله بما هو خير له منه{[16458]} وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد وحكمهم على رقاب العباد ، فصاروا أمراء حكاما ، وكل منهم للمتقين إماما ، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا ، فقال : { وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ } أي : مما أعطيناهم في الدنيا { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي : لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله ؛ ولهذا قال هُشَيْم ، عن العوام ، عمن حدثه ؛ أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه{[16459]} يقول : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ادخر{[16460]} لك في الآخرة أفضل ، ثم قرأ{[16461]} هذه الآية : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }{[16462]} .


[16455]:في ف، أ: "ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[16456]:في ف، أ: "عبد الأسود".
[16457]:في ت، ف، أ: "منه".
[16458]:في ت، ف، أ: "منه في الدنيا".
[16459]:في أ: "عطاء".
[16460]:في ف: "وما دخره".
[16461]:في أ: "يقرأ".
[16462]:رواه الطبري في تفسيره (14/74).