قوله : { والذين هَاجَرُواْ فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } الآية .
لما حكى عن الكفَّار أنَّهم أقسموا بالله جهد أيمانهم ، على إنكار البعث ، دلَّ ذلك على تماديهم في الغيِّ والجهل ، ومن هذا حاله ، لا يبعد إقدامه على إيذاء المسلمين ؛ بالضَّرب ، وغيره من العقوبات ؛ وحينئذ يلزم على المؤمنين أن يهاجروا عن ديارهم ، ومساكنهم فذكر - تعالى - في هذه الآية حكم تلك الهجرة ، وبيَّن ما للمهاجرين من الحسنة في الدنيا والآخرة ؛ من حيث هاجر ، وصبر ، وتوكَّل على الله - عز وجل - وذلك ترغيبٌ لغيرهم في طاعة الله - عز وجل - .
قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه- : نزلت هذه الآية في صهيب ، وبلال ، وعمار ، وخبَّاب ، وعابس ، وجبير ، وأبي جندل بن سهيل ، أخذهم المشركون بمكة فجعلوا يعذبونهم ؛ ليردوهم عن الإسلام ، فأما صهيب فقال لهم : أنا رجل كبيرٌ إن كنت لكم لم أنفعكم ، وإن كنت عليكم لم أضركم ؛ فافتدى منهم بماله ، فلما رآه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : رَبِحَ البيعُ يا صهيب ، وقال عمر رضي الله عنه : " نِعْمَ الرَّجلُ صهيبٌ ، لوْ لَمْ يَخفِ الله لَمْ يَعْصِه " ، يريد لو لم يخلق الله النار لأطاعه{[19820]} .
وقال قتادة - رضي الله عنه- : هم أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ظلمهم أهل مكة ، وأخرجوهم من ديارهم ؛ حتَّى لحق طائفة منهم بالحبشة ، ثم بوَّأهم الله المدينة بعد ذلك ؛ فجعلها لهم دار هجرة ، وجعلهم أنصاراً للمؤمنين ، وبسبب هجرتهم ظهرت قوة الإسلام ، كما أن نصرة الأنصار قوَّت شوكتهم{[19821]} ، ودل عليه قوله تعالى : { والذين هَاجَرُواْ فِي الله } على أنَّ الهجرة إذا لم تكن لله ، لم يكن لها موقع ، وكانت بمنزلة الانتقال من بلدٍ إلى بلد .
وقوله تعالى : { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي أنهم كانوا مظلومين في أيدي الكفار .
قوله : " حَسنَةً " فيها أوجه :
أحدها : أنها نعتٌ لمصدر محذوف ، أي : تبوئة حسنة .
الثاني : أنها منصوبة على المصدر الملاقي لعامله في المعنى ؛ لأنَّ معنى { لَنُبَوِّئَنهُمْ " لنحسنن إليهم .
الثالث : أنها مفعول ثانٍ ؛ لأن الفعل قبلها مضمن لمعنى لنعطينهم ، و " حَسَنةً " صفة لموصوف محذوفٍ ، أي : داراً حسنة ؛ وفي تفسير الحسن : دار حسنة وهي المدينة على ساكنها - أفضل الصلاة والسلام- .
وقيل : تقديره : منزلة حسنة ، وهي الغلبة على أهل المشرق .
وقيل : حسنة بنفسها هي المفعول من غير حذف موصوف .
وقرأ أمير المؤمنين{[19822]} ، وابن مسعود ، ونعيم بن ميسرة : " لنُثوينَّهُمْ " بالثاء المثلثة والياء ، مضارع أثوى المنقول بهمزة التعدية من " ثَوَى بالمكان " أقام فيه وسيأتي أنَّه قرئ بذلك في السبع في العنكبوت ، و " حَسنَةً " على ما تقدم .
ويريد أنه يجوز أن يكون على نزع الخافض أي " في حَسَنة " والموصول مبتدأ ، والجملة من القسم المحذوف وجوابه خبره ، وفيه ردٌّ على ثعلب ؛ حيث منع وقوع جملة القسم خبراً .
وجوَّز أبو البقاء في : " الَّذينَ " النصب على الاشتغالِ بفعلٍ مضمر ، أي : لنبوأنَّ الذين .
ورده أبو حيان : بأنه لا يجوز أن يفسر عاملاً ، إلا ما جاز أن يعمل ، وإن قلت " زَيْداً لأضْربنَّ " لم يجز ، فكذا لا يجوز " زَيْداً لأضْربنَّه " .
قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يجوز فيه أن يعود الضمير على الكفار ، أي : لو كانوا يعلمون ذلك لرجعوا مسلمين .
أو على المؤمنين ، أي : لاجتهدوا في الهجرة والإحسان كما فعل غيرهم .
روي أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول : خُذه بَاركَ الله لَكَ فِيهِ ، هذا ما وَعدكَ الله في الدُّنيَا وما ادَّخرَ لَكَ في الآخرةِ أفضلُ ، ثم تلا هذه الآية{[19823]} .
وقيل : المعنى : لنحسنن إليهم في الدنيا . وقيل : الحسنة في الدنيا التوفيق والهداية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.