السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

ولما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة دل ذلك على أنهم تمادوا في الغي والجهالة والجهل والضلال ، وفي مثل هذه الحالة لا يبعد إقدامهم على إيذاء المسلمين وإنزال العقوبة بهم ، وحينئذٍ يلزم على المؤمنين أن يهاجروا من تلك الديار والمساكن فبيّن تعالى حكم تلك الهجرة ، وما لهؤلاء المهاجرين من الحسنة في الدنيا والآخرة بقوله تعالى : { والذين هاجروا في الله } أي : في حقه ولوجهه لإقامة دينه { من بعد ما ظلموا } وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله ، منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، فجمع لله تعالى بين الهجرتين ، ومنهم من هاجر إلى المدينة ، أو المحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وأبو جندل وسهيل أخذهم المشركون بمكة يعذبونهم ليرجعوا عن الإسلام إلى الكفر ، فأما بلال فكان أصحابه يخرجونه إلى بطحاء مكة في شدة الحر ويشدونه ويجعلون على صدره الحجارة وهو يقول : أحد أحد فاشتراه منهم أبو بكر رضي الله عنه وأعتقه واشترى معه ستة نفر أخر وأما صهيب فقال : أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم وهاجر فلما رآه أبو بكر قال له : ربح البيع يا صهيب ، وقال عمر له : نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصمه وهو ثناء عظيم يريد لو لم يخلق الله نارا لأطاعه . { لنبوئنهم } أي : لننزلنهم { في الدنيا } دارا { حسنة } وهي المدينة وقيل : لنحسنن إليهم في الدنيا بأن نفتح لهم مكة ونمكنهم من أهلها الذين ظلموهم وأخرجوهم منها ، وقيل : أراد بالحسنة في الدنيا التوفيق والهداية إلى الدين { ولأجر الآخرة } وهي الجنة والنظر إلى وجهه الكريم { أكبر } أي : أعظم { لو كانوا يعلمون } أي : الكفار والمتخلفون عن الهجرة ما للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم . وقيل : إنه راجع إلى المهاجرين ، أي : لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبروا . وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول له : خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله به في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل . ثم يقرأ هذه الآية .