تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

{ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون41 الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون42 } .

المفردات :

لنبوئنهم في الدنيا حسنة : أي : لننزلنهم في الدنيا بلدة حسنة ، هي : المدينة ، يقال : بوأه الدار ، يبوئه فيها أنزله بها .

تمهيد :

تعرض المسلمون في مكة لألوان متعددة من العذاب والوعيد ، فهاجروا إلى الحبشة مرتين ، وهاجروا إلى المدينة ، في تضحية بالوطن والأهل والمال ؛ فنزلت هذه الآية توضح منزلتهم وجزاءهم .

التفسير :

41 { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .

أي : والذين فارقوا قومهم وأوطانهم ودورهم ، وذهبوا إلى بلاد أخرى ؛ احتسابا لأجر الله وطلبا لمرضاته ، من بعد ما نالهم الأذى والظلم من الكفار ؛ هؤلاء سنكافئهم في الدنيا بالمنزلة الحسنة ، حيث أسكنهم الله المدينة ، ونصرهم على العباد ، وفتح لهم البلاد ، وصاروا أمراء حكاما ، وكان كل منهم للمتقين إماما .

{ ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .

أي : إن ثواب الدار الآخرة في الجنة ، أكبر من نعيم الدنيا ، لو كان المهاجرون يعلمون ذلك ؛ لازداد يقينهم ، وقوي عزمهم ، وفي هذا تحريض لمن بقي بمكة من المهاجرين ؛ حتى يهاجروا .

وقيل : الضمير يعود على مشركي مكة ، أي : لو كانوا يعلمون ثواب الله للمهاجرين ؛ لكفوا عن إيذائهم وظلمهم ، ولآمنوا بالله ورسوله .

قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم : صهيب ، وبلال ، وعمار ، وخباب ، و عابس ، وجبير ، موالي لقريش ، فجعلوا يعذبونهم ؛ ليردّوهم عن الإسلام ، أما صهيب فقال لهم : أنا رجل كبير ، إن كنت لكم لم أنفعكم ، وإن كنت عليكم لم أضركم ، فافتدى منهم نفسه بماله ، وتركوه يهاجر ، فلما رآه أبو بكر قال : ربح البيع يا صهيب28 . وأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة من كلمة الكفر ، والرجوع عن الإسلام ، فتركوا عذابهم ، ثم هاجروا فنزلت هذه الآية29 .

وعن عمر : أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ذخر لك في الآخرة أكبر30 .