تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

الآية : 41 وقوله تعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } كان ظلمهم إياهم على وجوه :

منهم من ظُلم بالإخراج من الديار والطرد من البلد كقوله : { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم } الآية ( الممتحنة : 9 ) .

ومنهم من ظلم بالمنع عن إظهار الإسلام والعمل له وأنواع ما أوذوا ، وظلموا بإظهارهم الإسلام وإجابتهم رسول الله واتباعهم إياه .

ثم وعد لهم في الدنيا حسنة ، فقال : { لنُبوئنَّهم } قيل : لنعطينهم ، وقيل : لنرزقنهم ، وهو واحد { في الدنيا حسنة } تحتمل الحسنة في الدنيا العز بعد الذل والسعة بعد الضيق والشدة والغلبة والنصر لهم بعد ما كانوا مقهورين مغلوبين في أيدي الأعداء ، والذكر والشرف بعد الهوان . هذه الحسنة التي بوأهم في الدنيا .

والمهاجرة المقاطعة ؛ كأنه قال : والذين قاطعوا أرحامهم وأقاربهم ومكاسبهم وديارهم ، فأبدل الله لهم مكان الأرحام والأقارب أخلاء وإخوانا ومكان أموالهم أموالا أخرى وكذلك الدور وكل شيء تركوا هنالك ، فأبدلهم مكان ذلك كله .

وأما قوله : { ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } فيشبه أن يكون ذكر هذا عن حسد كان من الكفرة للمهاجرين لما أنزلهم في المدينة ، وبوأهم فيها ، وأعزهم ، ورفع ذكرهم ، وأمرهم ، ونصرهم . حسدهم أهل الكفر بذلك ، فعند ذلك قال : { ولأجر الآخرة أكبر } لهم أكبر و أعظم .

ويحتمل أيضا قوله : { ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } هؤلاء المهاجرين ، فيخف عليهم احتمال ما أوذوا ، وظلموا ، ويهون ، والله أعلم .