الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

قوله : { والذين هاجروا في الله } [ 41 ] إلى قوله { ولعلهم يتفكرون } [ 44 ] .

المعنى : والذين فارقوا دورهم وأوطانهم عداوة للمشركين في الله [ عز وجل{[38969]} ] من بعد ما ظلمهم المشركون وأوذوا في ذات الله [ سبحانه{[38970]} ]{[38971]} .

{ لنبوئنهم } .

أي : لنسكنهم في الدنيا مسكنا صالحا يرضونه{[38972]} . وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم ، حتى لحق طوائف منهم بالحبشة ثم بوأهم{[38973]} الله [ عز وجل{[38974]} ] المدينة بعد ذلك ، فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم{[38975]} أنصارا من المؤمنين ، قال ذلك قتادة وابن عباس{[38976]} .

وقال الضحاك : { لنبوئنهم في الدنيا حسنة } هو{[38977]} النصر والفتح{[38978]} .

{ ولأجر{[38979]} الآخرة أكبر } الجنة .

فالآية : فيمن{[38980]} هاجر من المسلمين من{[38981]} مكة إلى أرض الحبشة . ليست الهجرة في هذا الموضع : الهجرة إلى المدينة ، لأن هذا أنزل بمكة إلى أرض الحبشة{[38982]} .

قال الشعبي{[38983]} : { لنبوئنهم في الدنيا [ حسنة ]{[38984]} } المدينة{[38985]} ، وقال ابن [ أبي{[38986]} ] نجيح : { لنبوئنهم في الدنيا حسنة } أي : لنرزقهم في الدنيا رزقا حسنا{[38987]} .

وكان عمر رضي الله عنه إذا أعطى لرجل من المهاجرين عطاء يقول : بارك{[38988]} الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله [ عز وجل{[38989]} ] في الدنيا ، و ما أخر{[38990]} لك في الآخرة أفضل ثم يتلوه{[38991]} هذه الآية : { والذين هاجروا في الله }{[38992]} .

وقال الضحاك : الحسنة : النصر والفتح{[38993]} . وقال مجاهد : الحسنة : هنا لسان صدق{[38994]} .

ومعنى بوأت فلانا منزلا : أحللته فيه{[38995]} . ومنه قوله : { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق }{[38996]} .

وقيل : إن هذه الآية نزلت في أبي جندل بن سهيل{[38997]} .

ثم قال تعالى{[38998]} : { ولأجر الآخرة أكبر } .

أي : ولثواب{[38999]} الآخرة على الهجرة ، أكبر من ثواب الدنيا{[39000]} .

وقيل : الحسنة هنا ، كونهم مؤمنين وسماعهم ثناء الله [ عز وجل{[39001]} ] عليهم{[39002]} .

وقيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين عذبهم المشركون على إيمانهم وأخذوا أموالهم ، منهم : صهيب وبلال . وذلك أن صهيبا قال للمشركين : أنا رجل /كبير إن كنت معكم لم أنفعكم ، وإن كنت عليكم لم أضر بكم{[39003]} . فخذوا مالي ودعوني . فأعطاهم ماله وهاجر إلى النبي عليه السلام . فقال له أبو بكر : ربح البيع يا صهيب . وقال عمر [ رضي الله عنه{[39004]} ] : نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه . أي : لو أمن عذاب الله [ سبحانه{[39005]} ] لما ترك الطاعة ولا جنح إلى المعصية{[39006]} .


[38969]:ساقط من ق.
[38970]:انظر: المصدر السابق.
[38971]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/106.
[38972]:انظر: المصدر السابق.
[38973]:ط: برأهم.
[38974]:ساقط من ق.
[38975]:ق : وجعل لهم لهم.
[38976]:انظر جامع البيان 14/107 والدر 5/131.
[38977]:ق: وهو.
[38978]:انظر جامع البيان 14/107 والدر 5/131.
[38979]:ط: والاجر.
[38980]:ق: في من.
[38981]:ق: عن مكة ...
[38982]:في أن الآية في الهجرة إلى الحبشة، انظر المحرر 10/186 وفيه "وهو قول الجمهور وهو الصحيح في سبب، الآية" والجامع 10/71 ونسبه لقتادة.
[38983]:هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار، الشعبي الحميري، أبو عمرو، رواية من التابعين يضرب المثل بحفظه ولد سنة 19 هـ، بالكوفة وتوفي بها سنة 103 هـ وهو من رجال الحديث الثقات انظر ترجمته في حلية الأولياء 4/310 وتاريخ بغداد 12/227، وتهذيب التهذيب 5/65، وتذكرة الحفاظ 1/79، والأعلام 3/251.
[38984]:ساقط من ق.
[38985]:ط: هي المدينة. وانظر : قول الشعبي في: معاني الفراء 2/100 وجامع البيان 14/107 والمحرر 187 والتفسير الكبير 20/35، والجامع 10/71، وتفسير ابن كثير 2/884، والدر 5/131، وفيهم جميعا أنه قول مجاهد.
[38986]:ساقط من ط.
[38987]:انظر: قول ابن أبي نجيح في: جامع البيان 14/107، والجامع 10/71، والدر 5/131، وفيهم جميعا أنه قول مجاهد.
[38988]:ط: خذ بارك الله ...
[38989]:ساقط من ق.
[38990]:ق: وما ذكر لك.
[38991]:ط : "تتلو" بلا هاء.
[38992]:انظر : قول عمر رضي الله عنه في جامع البيان 14/107، والمحرر 10/187، والجامع 10/71، وتفسير ابن كثير 2/884 والدر 131.
[38993]:سبق بتخريج قول الضحاك.
[38994]:فهو قول ابن جريج، انظر: الجامع 10/71.
[38995]:انظر: جامع البيان 14/107. واللسان (بوأ).
[38996]:يونس: 93.
[38997]:انظر : جامع البيان 14/107 يروي عن داود بن أبي هند والمحرر 10/186، ونسبه لفرقة وقال: "أنه ضعيف، والجامع 10/71 والدر 5/131 ولباب النقول 133. وأبو جندل بن سهيل هو: عبد الله بن سهيل بن عمر القرشي العامري كان من السابقين، وممن عذب كان في صف المشركين يوم بدر ثم انحاز إلى المسلمين، واستشهد باليمامة. انظر: ترجمته في طبقات ابن سعد 4/134 وأسد الغابة 5/54 والإصابة 4/34.
[38998]:ط: تعالى ذكره.
[38999]:ط: والثواب.
[39000]:وهو تفسير قتادة انظر: جامع البيان 14/107.
[39001]:ساقط من ق.
[39002]:انظر : نحو هذا القول في الجامع 10/71.
[39003]:ط : اضطركم.
[39004]:ساقط من ط.
[39005]:ساقط من ق.
[39006]:انظر: هذا الأثر في سبب النزول مطولا ومختصرا في: معاني الفراء 2/100 وأسباب النزول 210، والكشاف 2/410 والمحرر 10/186 والتفسير الكبير 20/34 و 35 وفيه النص كاملا عن ابن عباس، ويعلق الرازي على قول عمر بن الخطاب، قائلا "وهو ثناء عظيم يريد، لو لم يخلق الله النار لأطاعه، فكيف ظنك به وقد خلقها"، والجامع 10/71 ونسبه للكلبي.