فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

{ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ( 41 ) }

{ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ } قد تقدم معنى الهجرة في سورة النساء وهي ترك الأهل والأوطان أي انتقلوا من مكة إلى المدينة لإقامة دين الله تعالى ومعنى { فِي اللّهِ } في شأن الله سبحانه وفي رضاه ، وقيل في دين الله ، وقيل في بمعنى لام التعليل أي الله { مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي عذبوا وأهينوا ، وقد اختلف في سبب نزول الآية فقيل نزلت في صهيب وبلال وخباب وعمار واعترض بأن السورة مكية وذلك يخالف قوله : { والذين هاجروا } وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية في هذه السورة كما قدمنا في عنوانها .

وقيل نزلت في أبي جندل بن سهيل ، وقيل نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين .

{ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً } قيل المراد نزولهم المدينة قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة ، وقيل المراد الرزق الحسن قاله مجاهد ، وقيل النصر على عدوهم ، قاله الضحاك ، وقيل ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات ، وقيل ما بقي لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور والمعنى لنبوأنهم مباءة حسنة أو تبوئة حسنة فحسنة صفة مصدر محذوف .

{ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ } أي جزاء أعمالهم الكائن في الآخرة وهو النعيم الكائن في الجنة التي هي المراد بالآخرة { أَكْبَرُ } وأعظم من أن يعلمه أحد من خلق الله قبل أن يشاهده ومنه قوله تعالى وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا { لَوْ كَانُواْ } أي هؤلاء الظلمة { يَعْلَمُونَ } ذلك ، وقيل أن الضمير راجع إلى المؤمنين المهاجرين أي لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه أكبر من حسنة الدنيا وهو إسكانهم المدينة .