تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية ، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه ، ولا مشارك له في خلقها{[941]} .


[941]:- في ب: خلقه.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

وقوله : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، كقوله : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } [ الفرقان : 2 ] وكقوله : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى . الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } [ الأعلى : 1 - 3 ] أي : قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمةُ السنة على إثبات قَدَر الله السابق لخلقه ، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها ، وردّوا بهذه الآية وبما {[27800]} شاكلها من الآيات ، وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرْقة القَدرية الذين نبغوا {[27801]} في أواخر عصر الصحابة . وقد تكلمنا على هذا المقام مفصلا وما ورد فيه من الأحاديث في شرح " كتاب الإيمان " من " صحيح البخاري " رحمه الله ، ولنذكر هاهنا الأحاديث المتعلقة بهذه الآية الكريمة :

قال أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان الثوري ، عن زياد بن إسماعيل السهمي ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي هُرَيرَة قال : جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر ، فنزلت : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } .

وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ، من حديث وكيع ، عن سفيان الثوري ، به {[27802]} .

وقال البزار : حدثنا عمرو بن على ، حدثنا الضحاك بن مَخْلَد ، حدثنا يونس بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : ما نزلت هذه الآيات : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ . يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، إلا في أهل القدر{[27803]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سهل{[27804]} بن صالح الأنطاكي ، حدثني قُرَّة بن حبيب ، عن كنانة حدثنا جرير بن حازم ، عن سعيد بن عمرو بن جَعْدَةَ ، عن ابن زُرَارة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية : { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، قال : " نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله " {[27805]} .

وحدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مَرْوان بن شجاع الجزَري ، عن عبد الملك بن جُرَيْج ، عن عطاء بن أبي رَبَاح ، قال : أتيت ابن عباس وهو يَنزع من زمزم ، وقد ابتلّت أسافل ثيابه ، فقلت له : قد تُكُلّم في القدر . فقال : أو [ قد ] {[27806]} فعلوها ؟ قلت : نعم . قال : فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم : { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، أولئك شرار هذه الأمة ، فلا تعودوا مرضاهم ولا تُصَلّوا على موتاهم ، إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعيّ هاتين .

وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر ، وفيه مرفوع ، فقال :

حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، عن بعض إخوته ، عن محمد بن عُبَيد المكي ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قيل له : إن رجلا قدم علينا يُكَذّب بالقدر فقال : دلوني عليه - وهو أعمى - قالوا : وما تصنع به يا أبا عباس قال : والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضَّنّ أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها ، فإني{[27807]} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كأني بنساء بني فِهْر يَطُفْنَ بالخزرج ، تصطفق ألياتهن مشركات ، هذا أول شرك هذه الأمة ، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قَدّر خيرا ، كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا " {[27808]} .

ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة ، عن الأوزاعي ، عن العلاء بن الحجاج ، عن محمد بن عبيد ، فذكر مثله{[27809]} . لم يخرجوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني أبو صخر ، عن نافع قال : كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه{[27810]} ، فكتب إليه عبد الله بن عمر : إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر ، فإياك أن تكتب إليّ ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر " .

رواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، به{[27811]} .

وقال أحمد : حدثنا أنس بن عياض ، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غُفْرَة ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لكل أمة مجوس ، ومجوس أمتي الذين يقولون : لا قدر . إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " {[27812]} .

لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه .

وقال أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا رِشْدِين ، عن أبي صخر حُمَيد بن زياد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون في هذه الأمة مسخ ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية " .

ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث أبي صخر حميد بن زياد ، به {[27813]} . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .

وقال أحمد : حدثنا إسحاق بن الطباع ، أخبرني مالك ، عن زياد بن سعد ، عن عمرو بن مسلم ، عن طاوس اليماني قال : سمعت ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل شيء بقدرن حتى العجز والكيس " .

ورواه مسلم منفردا به ، من حديث مالك {[27814]} {[27815]} .

وفي الحديث الصحيح : " استعن بالله ولا تعجز ، فإن أصابك أمر فقل : قَدَّرُ الله وما شاء فعل ، ولا تقل : لو أني فعلت لكان كذا ، فإن لو تفتح عمل الشيطان " {[27816]} .

وفي حديث ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ، لم يكتبه الله لك ، لم ينفعوك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يكتبه الله عليك ، لم يضروك . جفّت الأقلام وطويت الصحف " {[27817]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سَوَّار ، حدثنا الليث{[27818]} ، عن معاوية ، عن أيوب بن زياد ، حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ، حدثني أبي قال : دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت ، فقلت : يا أبتاه ، أوصني واجتهد لي . فقال : أجلسوني . فلما أجلسوه قال : يا بني ، إنك لما تطعم طعم الإيمان ، ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله ، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره . قلت : يا أبتاه ، وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك . يا بني ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم . ثم قال له : اكتب . فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " يا بني ، إن متَّ ولستَ على ذلك دخلت النار{[27819]} .

ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى البَلْخِي ، عن أبي داود الطيالسي ، عن عبد الواحد بن سليم ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، به . وقال : حسن صحيح غريب{[27820]} .

وقال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن رِبْعِي بن خِرَاش ، عن رجل ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر خيره وشره " .

وكذا رواه الترمذي من حديث النضر بن شُمَيْل ، عن شعبة ، عن منصور ، به {[27821]} . ورواه من حديث أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن {[27822]} منصور ، عن ربعي ، عن علي ، فذكره وقال : " هذا عندي أصح " . وكذا رواه ابن ماجه من حديث شريك ، عن منصور ، عن ربعي ، عن علي ، به {[27823]} .

وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره ، عن أبي{[27824]} هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " زاد ابن وهب : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } [ هود : 7 ] . ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح غريب{[27825]} .


[27800]:- (2) في م: "وما".
[27801]:- (3) في أ: "سعوا".
[27802]:- (1) المسند (2/444) وصحيح مسلم برقم (2656) وسنن الترمذي برقم (3290) وسنن ابن ماجة برقم (83).
[27803]:- (2) مسند البزار برقم (2265) "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (7/117): "فيه يونس بن الحارث، وثقه ابن معين وابن حيان وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات".
[27804]:- (3) في أ: "سهيل".
[27805]:- (4) رواه الطبراني في المعجم الكبير (5/276) من طريق قرة بن حبيب عن جرير بن حازم - وأظن أن كنانة ساقط منه - عن سعيد بن عمرو به.
[27806]:- (5) زيادة من م.
[27807]:- (6) في أ: "قال".
[27808]:- (7) المسند (1/330).
[27809]:- (8) المسند (1/330).
[27810]:- (1) في م: "فكاتبه".
[27811]:- (2) المسند (2/90) وسنن أبي داود برقم (4613).
[27812]:- (3) المسند (2/86).
[27813]:- (4) المسند (2/108) وسنن الترمذي برقم (2152) وسنن ابن ماجه برقم (4061).
[27814]:- (5) في م: "ورواه مسلم من حديث مالك منفردا به".
[27815]:- (6) المسند (2/110) وصحيح مسلم برقم (2655).
[27816]:- (7) رواه مسلم في صحيحه برقم (2664) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[27817]:- (8) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/293).
[27818]:- (1) في م: "ليث".
[27819]:- (2) المسند (5/317).
[27820]:- (3) سنن الترمذي برقم (3319).
[27821]:- (4) سنن الترمذي برقم (2145) ورواه أحمد في مسنده (1/133) عن وكيع والحاكم في مستدركه (1/33) عن أبي حذيفة، كلاهما عن سفيان الثوري به.وقد رجح هذه الرواية الدارقطني في العلل (3/196) فقال: "حديث شريك وورقاء وجرير وعمرو بن أبي قيس عن منصور عن ربعي عن علي. وخالفهم سفيان الثوري وزائدة أبو الأحوص وسليمان التيمي فرووه: عن منصور عن ربعي عن رجل من بني راشد عن علي وهو الصواب".
[27822]:- (5) في م: "بن".
[27823]:- (6) سنن الترمذي برقم (2145) وسنن ابن ماجه برقم (81).
[27824]:- (7) في أ: "أم".
[27825]:- (8) صحيح مسلم برقم (2653) وسنن الترمذي برقم (2156).