تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المزمل [ وهي ] مكية

{ 1 - 11 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا }

المزمل : المتغطي بثيابه كالمدثر ، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته ، وابتدأه بإنزال [ وحيه بإرسال ] جبريل إليه ، فرأى أمرا لم ير مثله ، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون ، فاعتراه في ابتداء ذلك{[1258]}  انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام ، فأتى إلى أهله ، فقال : " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه ، ثم جاءه جبريل فقال : " اقرأ " فقال : " ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه الجهد ، وهو يعالجه على القراءة ، فقرأ صلى الله عليه وسلم ، ثم ألقى الله عليه الثبات ، وتابع عليه الوحي ، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين .

فسبحان الله ، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها ، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره .


[1258]:- في ب: فاعتراه عند ذلك.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

( مكية ) كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر .

وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها : " واصبر على ما يقولون " [ المزمل : 10 ] والتي تليها ، ذكره الماوردي . وقال الثعلبي : قوله تعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى " [ المزمل : 20 ] إلى آخر السورة ، فإنه نزل بالمدينة .

فيه ثمان مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " يا أيها المزمل " قال الأخفش سعيد : " المزمل " {[15495]} أصله المتزمل ، فأدغمت التاء في الزاي وكذلك " المدثر " . وقرأ أبي بن كعب على الأصل " المتزمل " و " المتدثر " . وسعيد : " المزمل " . وفي أصل " المزمل " قولان : أحدهما أنه المحتمل ، يقال : زمل الشيء إذا حمله ، ومنه الزاملة ؛ لأنها تحمل القماش{[15496]} . الثاني أن المزمل هو المتلفف ، يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى . وزمل غيره إذا غطاه ، وكل شيء لفف فقد زمل ودثر ، قال امرؤ القيس :

كبيرُ أناسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلِ{[15497]}

الثانية- قوله تعالى : " يا أيها المزمل " هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه ثلاثة أقوال : الأول قول عكرمة : " يا أيها المزمل " بالنبوة والملتزم للرسالة . وعنه أيضا : يا أيها الذي زمل هذا الأمر أي حمله ثم فتر ، وكان يقرأ : " يا أيها المزمَّل " بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول ، وكذلك " المدثر " والمعنى المزمل نفسه والمدثر نفسه ، أو الذي زمله غيره . الثاني : " يا أيها المزمل " بالقرآن ، قاله ابن عباس . الثالث المزمل بثيابه ، قال قتادة وغيره . قال النخعي : كان متزملا بقطيفة . عائشة : بمرط طوله أربعة عشر ذراعا ، نصفه علي وأنا نائمة ، ونصفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزاء{[15498]} ولا إبريسما ولا صوفا ، كان سداه شعرا ، ولحمته وبرا ، ذكره الثعلبي .

قلت : وهذا القول من عائشة يدل على أن السورة مدنية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبن بها إلا في المدينة . وما ذكر من أنها مكية لا يصح . والله أعلم .

وقال الضحاك : تزمل بثيابه لمنامه . وقيل : بلغه من المشركين سوء قول فيه ، فاشتد عليه فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت : " يا أيها المزمل " [ المزمل : 1 ] و " يا أيها المدثر " [ المدثر : 1 ] . وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحى إليه ، فإنه لما سمع قول الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال : ( زملوني دثروني ) روي معناه عن ابن عباس . وقالت الحكماء : إنما خاطبه بالمزمل والمدثر في أول الأمر ؛ لأنه لم يكن بعد ادثر شيئا من تبليغ الرسالة . قال ابن العربي : واختلف في تأويل : " يا أيها المزمل " فمنهم من حمله على حقيقته ، قيل له : يا من تلفف في ثيابه أو في قطيفته قم . قاله إبراهيم وقتادة . ومنهم من حمله على المجاز ، كأنه قيل له : يا من تزمل بالنبوة . قاله عكرمة . وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأما وهو بلفظ الفاعل فهو باطل . قلت : وقد بينا أنها على حذف المفعول : وقد قرئ بها ، فهي صحيحة المعنى . قال : وأما من قال إنه زمل القرآن فهو صحيح في المجاز ، لكنه قد قدمنا أنه لا يحتاج إليه .

الثالثة- قال السهيلي : ليس المزمل باسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه عليه السلام ، وإنما المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب ، وكذلك المدثر . وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان : إحداهما الملاطفة ، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما ، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : ( قم يا أبا تراب ) إشعارا له أنه غير عاتب عليه ، وملاطفة له . وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة : ( قم يا نومان ) وكان نائما ملاطفة له ، وإشعارا لترك العتب والتأنيب{[15499]} . فقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : " يا أيها المزمل قم " فيه تأنيس وملاطفة ؛ ليستشعر أنه غير عاتب عليه . والفائدة الثانية : التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه ؛ لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة .


[15495]:لعل هذا ما أراده بعض المفسرين بقولهم: قرأ بعض السلف "المزمل" بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها.
[15496]:القماش: أردأ متاع البيت، ويقال له: سقط المتاع.
[15497]:صدر البيت: * كأن أبانا في أفانين ودقه *
[15498]:المرعزاء (بكسر الميم والعين): الزغب الذي تحت شعر العنز.
[15499]:في أ، ح، ل: "والتأنيس".
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وعدد آياتها عشرون وذكر في سبب نزول آياتها أن قريشا اجتمعت في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما يصدر الناس – عنه - أي يصدرون عنه - فقالوا : كاهن ، قالوا : ليس بكاهن ، قالوا : مجنون ، قالوا : ليس بمجنون ، قالوا : ساحر ، قالوا : ليس بساحر . فتفرق المشركون على ذلك . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل عليه السلام فقال : { ياأيها المزّمل – ياأيها المدثر } .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ياأيها المزّمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا 4 إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا 5 إنّ ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا 6 إن لك في النهار سبحا طويلا 7 واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا 8 رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } .

المزمل ، أصله المتزمل . وهو المتلفف بثيابه . زمّله في ثوبه أي لفّه ، زمّلته بثوبه تزميلا فتزمّل ، أي لففته به فتلفف به . وزملت الشيء أي حملته . ومنه قيل للبعير الزاملة والهاء للمبالغة ، لأنه يحمل متاع المسافر{[4666]} فالمزمل هو المتلفف في ثيابه . وقد ذكر أن ذلك كان في ابتداء الوحي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع قول الملك ونظر إليه هاله ذلك فأخذته منه رعدة فأتى أهله وقال : " زملوني دثروني فنزل قوله سبحانه : { ياأيها المزمّل } يعني يا من تلفف بثيابه أو في قطيفته . أو يا أيها النائم .


[4666]:المصباح المنير جـ 1 ص 274.