تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

{ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد ، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود ، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب ، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره ، وإبطال كيده ، ويدخل في الحاسد العاين ؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع ، خبيث النفس ، فهذه السورة ، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور ، عمومًا وخصوصًا .

ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره ، ويستعاذ بالله منه [ ومن أهله ] .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

" ومن شر حاسد إذا حسد " . .

والحسد انفعال نفسي إزاء نعمة الله على بعض عباده مع تمني زوالها . وسواء أتبع الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ ، أو وقف عند حد الانفعال النفسي ، فإن شرا يمكن أن يعقب هذا الانفعال .

ونحن مضطرون أن نطامن من حدة النفي لما لا نعرف من أسرار هذا الوجود ، وأسرار النفس البشرية ، وأسرار هذا الجهاز الإنساني . فهنالك وقائع كثيرة تصدر عن هذه الأسرار ، ولا نملك لها حتى اليوم تعليلا . . هنالك مثلا ذلك التخاطر على البعد . وفيه تتم اتصالات بين أشخاص متباعدين . اتصالات لا سبيل إلى الشك في وقوعها بعد تواتر الأخبار بها وقيام التجارب الكثيرة المثبتة لها . ولا سبيل كذلك لتعليلها بما بين أيدينا من معلومات . وكذلك التنويم المغناطيسي . وقد أصبح الآن موضعا للتجربة المتكررة المثبتة . وهو مجهول السر والكيفية . . وغير التخاطر والتنويم كثير من أسرار الوجود وأسرار النفس وأسرار هذا الجهاز الإنساني . . .

فإذا حسد الحاسد ، ووجه انفعالا نفسيا معينا إلى المحسود فلا سبيل لنفي أثر هذا التوجيه لمجرد أن ما لدينا من العلم وأدوات الاختبار ، لا تصل إلى سر هذا الأثر وكيفيته . فنحن لا ندري إلا القليل في هذا الميدان . وهذا القليل يكشف لنا عنه مصادفة في الغالب ، ثم يستقر كحقيقة واقعة بعد ذلك !

فهنا شر يستعاذ منه بالله ، ويستجار منه بحماه

والله برحمته وفضله هو الذي يوجه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمته من ورائه إلى الاستعاذة به من هذه الشرور . ومن المقطوع به أنهم متى استعاذوا به - وفق توجيهه - أعاذهم . وحماهم من هذه الشرور إجمالا وتفصيلا .

وقد روى البخاري - بإسناده - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما ، وقرأ فيهما ، " قل هو الله أحد " . . و " قل : أعوذ برب الفلق " . . و " قل : أعوذ برب الناس " . . ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات . . وهكذا رواه أصحاب السنن . . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5)

وقوله تعالى : { ومن شر حاسد إذا حسد } قال قتادة : من شر عينه ونفسه ، يريد بالنفس السعي الخبيث والإذاية كيف قدر ؛ لأنه عدو مجد ممتحن ، وقال الشاعر :

كل العداوة قد ترجى إماتتها *** إلا عداوة من عاداك من حسد{[12041]}

وعين الحاسد في الغالب لاقفة ، نعوذ بالله عز وجل من شرها ، قال الشاعر :

وإذا أراد الله نشر فضيلة *** طويت أتاح لها لسان حسود{[12042]}

والحسد في الاثنتين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسد مستحسن غير ضار : ، وإنما هو باعث على خير{[12043]} .

وهذه السورة خمس آيات ، فقال بعض الحذاق : هي مراد الناس بقولهم للحاسد إذا نظر إليهم : الخمس على عينيك ، وقد غلطت العامة في هذا ، فيشيرون بالأصابع لكونها خمسة .

وأمال أبو عمرو [ حاسد ] ، والباقون يفتحون الحاء ، وقال الحسن بن الفضل : ذكر الله تعالى الشرور في هذه السورة ، ثم ختمها بالحسد ليظهر أنه أخس طبع .

كمل تفسير سورة الفلق والحمد لله رب العالمين .


[12041]:البيت مشهور، ذكره ابن قتيبة في كتاب الطبائع من (عيون الأخبار) ولم ينسبه.
[12042]:قال هذا البيت حبيب بن أوس الطائي –أبو تمام- من قصيدة يمدح بها عبد الله بن أبي دؤاد، وهو من الأمثال السائرة مع بيت آخر بعده يقول فيه: لولا اشتغال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود فالحسود يذيع أمجاد المحسود بين الناس، وينشر أخباره وفضائله، وإن نار الحسد تنشر عرف الأخلاق كما تنشر النار الحقيقية عرف العود الطيب. وبمثل هذه الآراء في شعره قيل عن أبي تمام إنه حكيم.
[12043]:الحديث الذي يشير إليه هو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء االليل والنهار)، أخرجه البخاري في العلم والزكاة والأحكام والتمني والاعتصام والتوحيد، وأخرجه أحمد في مسنده (2/9، 36) واللفظ له.