{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
أي : { وَلَا تَنْكِحُوا } النساء { الْمُشْرِكَاتِ } ما دمن على شركهن { حَتَّى يُؤْمِنَّ } لأن المؤمنة ولو بلغت من الدمامة ما بلغت خير من المشركة ، ولو بلغت من الحسن ما بلغت ، وهذه عامة في جميع النساء المشركات ، وخصصتها آية المائدة ، في إباحة نساء أهل الكتاب كما قال تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }
{ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } وهذا عام لا تخصيص فيه .
ثم ذكر تعالى ، الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة ، لمن خالفهما في الدين فقال : { أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } أي : في أقوالهم أو أفعالهم وأحوالهم ، فمخالطتهم على خطر منهم ، والخطر ليس من الأخطار الدنيوية ، إنما هو الشقاء الأبدي .
ويستفاد من تعليل الآية ، النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع ، لأنه إذا لم يجز التزوج مع{[139]} أن فيه مصالح كثيرة فالخلطة المجردة من باب أولى ، وخصوصا ، الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم ، كالخدمة ونحوها .
وفي قوله : { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ } دليل على اعتبار الولي [ في النكاح ] .
{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ } أي : يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة ، التي من آثارها ، دفع العقوبات وذلك بالدعوة إلى أسبابها من الأعمال الصالحة ، والتوبة النصوح ، والعلم النافع ، والعمل الصالح .
{ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ } أي : أحكامه وحكمها { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فيوجب لهم ذلك التذكر لما نسوه ، وعلم ما جهلوه ، والامتثال لما ضيعوه .
والأن نواجه النصوص القرآنية بالتفصيل :
( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ؛ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا . ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم . أولئك يدعون إلى النار . والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ؛ ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) . .
النكاح - وهو الزواج - أعمق وأقوى وأدوم رابطة تصل بين اثنين من بني الإنسان ؛ وتشمل أوسع الاستجابات التي يتبادلها فردان . فلا بد إذن من توحد القلوب ، والتقائها في عقدة لا تحل . ولكي تتوحد القلوب يجب أن يتوحد ما تنعقد عليه ، وما تتجه إليه . والعقيدة الدينية هي أعمق وأشمل ما يعمر النفوس ، ويؤثر فيها ، ويكيف مشاعرها ، ويحدد تأثراتها واستجاباتها ، ويعين طريقها في الحياة كلها . وإن كان الكثيرون يخدعهم أحيانا كمون العقيدة أو ركودها . فيتوهمون أنها شعور عارض يمكن الاستغناء عنه ببعض الفلسفات الفكرية ، أو بعض المذاهب الاجتماعية . وهذا وهم وقلة خبرة بحقيقة النفس الإنسانية ، ومقوماتها الحقيقية . وتجاهل لواقع هذه النفس وطبيعتها .
ولقد كانت النشأة الأولى للجماعة المسلمة في مكة لا تسمح في أول الأمر بالانفصال الاجتماعي الكامل الحاسم ، كالانفصال الشعوري الاعتقادي الذي تم في نفوس المسلمين . لأن الأوضاع الاجتماعية تحتاج إلى زمن وإلى تنظيمات متريثة . فلما أن أراد الله للجماعة المسلمة أن تستقل في المدينة ، وتتميز شخصيتها الاجتماعية كما تميزت شخصيتها الاعتقادية . بدأ التنظيم الجديد يأخذ طريقه ، ونزلت هذه الآية . نزلت تحرم إنشاءأي نكاح جديد بين المسلمين والمشركين - فأما ما كان قائما بالفعل من الزيجات فقد ظل إلى السنة السادسة للهجرة حين نزلت في الحديبية آية سورة الممتحنة : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن . الله أعلم بإيمانهن . فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار . لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن . . ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر . . . ) . . . فانتهت آخر الارتباطات بين هؤلاء وهؤلاء .
لقد بات حراما أن ينكح المسلم مشركة ، وأن ينكح المشرك مسلمة . حرام أن يربط الزواج بين قلبين لا يجتمعان على عقيدة . إنه في هذه الحالة رباط زائف واه ضعيف . إنهما لا يلتقيان في الله ، ولا تقوم على منهجه عقدة الحياة . والله الذي كرم الإنسان ورفعه على الحيوان يريد لهذه الصلة ألا تكون ميلا حيوانيا ، ولا اندفاعا شهوانيا . إنما يريد أن يرفعها حتى يصلها بالله في علاه ؛ ويربط بينها وبين مشيئته ومنهجه في نمو الحياة وطهارة الحياة .
ومن هنا جاء ذلك النص الحاسم الجازم :
( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) . .
فإذا أمن فقد زالت العقبة الفاصلة ؛ وقد التقى القلبان في الله ؛ وسلمت الآصرة الإنسانية بين الاثنين مما كان يعوقها ويفسدها . سلمت تلك الآصرة ، وقويت بتلك العقدة الجديدة : عقدة العقيدة .
( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ) . .
فهذا الإعجاب المستمد من الغريزة وحدها ، لا تشترك فيه مشاعر الإنسان العليا ، ولا يرتفع عن حكم الجوارح والحواس . وجمال القلب أعمق وأغلى ، حتى لو كانت المسلمة أمة غير حرة . فإن نسبها إلى الإسلام يرفعها عن المشركة ذات الحسب . إنه نسب في الله وهو أعلى الأنساب .
( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا . ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) . .
القضية نفسها تتكرر في الصورة الأخرى ، توكيدا لها وتدقيقا في بيانها والعلة في الأولى هي العلة في الثانية :
( أولئك يدعون إلى النار ، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه . ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) . .
إن الطريقين مختلفان ، والدعوتين مختلفتان ، فكيف يلتقي الفريقان في وحدة تقوم عليها الحياة ؟
إن طريق المشركين والمشركات إلى النار ، ودعوتهم إلى النار . وطريق المؤمنين والمؤمنات هو طريق الله . والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه . . فما أبعد دعوتهم إذن من دعوة الله !
ولكن أويدعو أولئك المشركون والمشركات إلى النار ؟ ومن الذي يدعو نفسه أو غيره إلى النار ؟ !
ولكنها الحقيقة الأخيرة يختصر السياق إليها الطريق ! ويبرزها من أولها دعوة إلى النار ، بما أن مآلها إلى النار . والله يحذر من هذه الدعوة المردية ( ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) . . فمن لم يتذكر ، واستجاب لتلك الدعوة فهو الملوم !
هنا نتذكر أن الله لم يحرم زواج المسلم من كتابية - مع اختلاف العقيدة - ولكن الأمر هنا يختلف . إن المسلم والكتابية يلتقيان في أصل العقيدة في الله . وإن اختلفت التفصيلات التشريعية . .
وهناك خلاف فقهي في حالة الكتابية التي تعتقد أن الله ثالث ثلاثة ، أو أن الله هو المسيح بن مريم ، أو أن العزيز ابن الله . . أهي مشركة محرمة . أم تعتبر من أهل الكتاب وتدخل في النص الذي في المائدة : ( اليوم أحل لكم الطيبات ) . . . ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) . . والجمهور على أنها تدخل في هذا النص . . ولكني أميل إلى اعتبار الرأي القائل بالتحريم في هذه الحالة . وقد رواه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال ابن عمر : " لا أعلم شركا أعظم من أن تقول ربها عيسى " . .
فأما الأمر في زواج الكتابي من مسلمة فهو محظور ؛ لأنه يختلف في واقعه عن زواج المسلم بكتابية - غير مشركة - ومن هنا يختلف في حكمه . . إن الأطفال يدعون لآبائهم بحكم الشريعة الإسلامية . كما أن الزوجة هي التي تتنقل إلى أسرة الزوج وقومه وأرضه بحكم الواقع . فإذا تزوج المسلم من الكتابية [ غير المشركة ] انتقلت هي إلى قومه ، ودعي أبناؤه منها باسمه ، فكان الإسلام هو الذي يهيمن ويظلل جو المحصن . ويقع العكس حين تتزوج المسلمة من كتابي ، فتعيش بعيدا عن قومها ، وقد يفتنها ضعفها ووحدتها هنالك عن إسلامها ، كما أن أبناءها يدعون إلى زوجها ، ويدينون بدين غير دينها . والإسلام يجب أن يهيمن دائما .
على أن هناك اعتبارات عملية قد تجعل المباح من زواج المسلم بكتابية مكروها . وهذا ما رآه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمام بعض الاعتبارات :
قال ابن كثير في التفسير : " قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله - بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات - وإنما كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني " . .
وروي أن حذيفة تزوج يهودية فكتب إليه عمر : خل سبيلها . فكتب إليه : أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاظلوا المؤمنات منهن . وفي رواية أخرى أنه قال : المسلم يتزوج النصرانية . والمسلمة ؟
ونحن نرى اليوم أن هذه الزيجات شر على البيت المسلم . . فالذي لا يمكن إنكاره واقعيا أن الزوجة اليهودية أو المسيحية أو اللادينية تصبغ بيتها وأطفالها بصبغتها ، وتخرج جيلا أبعد ما يكون عن الإسلام . وبخاصة في هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ، والذي لا يطلق عليه الإسلام إلا تجوزا في حقيقة الأمر . والذي لا يمسك من الإسلام إلا بخيوط واهية شكلية تقضي عليها القضاء الأخير زوجة تجيء من هناك !
هذا تحريم من الله عزّ وجل على المؤمنين أن يتزوّجوا المشركات من عبدة الأوثان . ثم إن كان عمومُها مرادًا ، وأنَّه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية ، فقد خَص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ]{[3808]} } [ المائدة : 5 ] .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب . وهكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والحسن ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، والربيع بن أنس ، وغيرهم .
وقيل : بل المراد بذلك المشركون{[3809]} من عبدة الأوثان ، ولم يُردْ أهل الكتاب بالكلية ، والمعنى قريب من الأول ، والله أعلم .
فأما ما رواه ابن جرير : حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الحميد بن بَهْرَام الفزاري ، حدثنا شَهْر بن حَوْشَب قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء ، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات ، وحرّم كل ذات دين غير الإسلام ، قال الله عز وجل : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } [ المائدة : 5 ] . وقد نكح طلحة بن عُبَيد الله يهودية ، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية ، فغضب عمر بن الخطاب غضبًا شديدًا ، حتى هَمَّ أن يسطو عليهما . فقالا نحن نطَلق يا أمير المؤمنين ، ولا تغضب ! فقال : لئن حَلّ طلاقهن لقد حل نكاحهن ، ولكني أنتزعهن منكم صَغَرَة قَمأة{[3810]} - فهو حديث غريب جدًا . وهذا الأثر عن عمر غريب أيضًا .
قال أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات : وإنما كره عمر ذلك ، لئلا يزهد الناس في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني ، كما حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الصلت بن بهرام ، عن شقيق قال : تزوج حذيفة يهودية ، فكتب إليه عمر : خَل سبيلها ، فكتب إليه : أتزعم أنها حرام فأخَلي سبيلها ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن{[3811]} .
وهذا إسناد صحيح ، وروى الخلال عن محمد بن إسماعيل ، عن وَكِيع ، عن الصلت{[3812]} نحوه .
وقال ابن جرير : حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا سفيان{[3813]} بن سعيد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن زيد بن وهب قال : قال [ لي ]{[3814]} عمر بن الخطاب : المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة .
قال : وهذا أصح إسنادًا من الأول{[3815]} {[3816]} .
ثم قال : وقد حدثنا تميم بن المنتصر ، أخبرنا إسحاق الأزرق{[3817]} عن شريك ، عن أشعث بن سوار ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا " .
ثم قال : وهذا الخبر - وإن كان في إسناده ما فيه - فالقول به لإجماع الجميع من الأمة على صحة القول{[3818]} به{[3819]} .
كذا قال ابن جرير ، رحمه الله .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وَكِيع ، عن جعفر بن بُرْقان ، عن ميمون بن مِهْران ، عن ابن عمر : أنه كره نكاح أهل الكتاب ، وتأول{[3820]} { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
وقال البخاري : وقال ابن عمر : لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول : ربها{[3821]} عيسى{[3822]} .
وقال أبو بكر الخلال الحنبلي : حدثنا محمد بن هارون{[3823]} حدثنا إسحاق بن إبراهيم( ح ) وأخبرني محمد بن علي ، حدثنا صالح بن أحمد : أنهما سألا أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، عن قول
الله : { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } قال : مشركات العرب الذين يعبدون الأوثان{[3824]} .
وقوله : { وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } قال السدي : نزلت في عبد الله بن رواحة ، كانت له أمة سوداء ، فغضب عليها فلطمها ، ثم فزع ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبرها . فقال له : " ما هي ؟ " قال : تصوم ، وتصلي ، وتحسن الوضوءَ ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فقال : " يا أبا عبد الله ، هذه مؤمنة " . فقال : والذي بعثك بالحق لأعتقَنَّها ولأتزوجَنها{[3825]} . ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، وقالوا : نكح أمَة . وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين ، ويُنكحوهم رغبة في أحسابهم ، فأنزل الله : { وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ }
وقال عبد بن حميد : حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عَمْرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنكحوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن{[3826]} وانكحوهن على الدين ، فلأمة سوداء خَرْماء ذات دين أفضل " {[3827]} . والإفريقي ضعيف .
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ولجمالها ، ولدينها ؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك " {[3828]} . ولمسلم عن جابر مثله{[3829]} . وله ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " {[3830]} .
وقوله : { وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } أي : لا تُزَوّجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات ، كما قال تعالى : { لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [ الممتحنة : 10 ] .
ثم قال تعالى : { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } أي : ولرجل مؤمن - ولو كان عبدًا حبشيًا - خير من مشرك ، وإن كان رئيسًا سَرِيًا{[3831]} { أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } أي : معاشَرتهم ومخالطتهم تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة ، وعاقبة ذلك وخيمة { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } أي : بشرعه وما أمر به وما نهى عنه { وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
{ وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتّىَ يُؤْمِنّ وَلأمَةٌ مّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتّىَ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلََئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيّنُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ }
اختلف أهل التأويل في هذه الآية : هل نزلت مرادا بها كل مشركة ، أم مراد بحكمها بعض المشركات دون بعض ؟ وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شيء أم لا ؟ فقال بعضهم : نزلت مرادا بها تحريم نكاح كل مشركة على كل مسلم من أنّ أجناس الشرك كانت عابدة وثن أو كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو من غيرهم من أصناف الشرك ، ثم نسخ تحريم نكاح أهل الكتاب بقوله : يَسألُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّباتُ إلى : وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالمُحْصَناتُ مِنَ الُمؤْمِنات والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ . ذكر من قال ذلك :
3حدثني عليّ بن واقد ، قال : ثني عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال : وَالمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حل لكم إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ .
3حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ فنسخ من ذلك نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين .
3حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ قال : نساء أهل مكة ومن سواهن من المشركين ، ثم أحل منهن نساء أهل الكتاب .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ إلى قوله : لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ قال : حرّم الله المشركات في هذه الآية ، ثم أنزل في سورة المائدة ، فاستثنى نساء أهل الكتاب ، فقال : وَالمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُوُرَهُنّ .
وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بحكمها مشركات العرب لم ينسخ منها شيء ولم يستثن ، إنما هي آية عام ظاهرها خاص تأويلها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهنّ كتاب يقرأنه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ قال : المشركات من ليس من أهل الكتاب وقد تزوّج حذيفة يهودية أو نصرانية .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة في قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ قال : مشركات أهل الأوثان .
وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بها كل مشركة من أيّ أصناف الشرك كانت غير مخصوص منها مشركة دون مشركة ، وثنية كانت أو مجوسية أو كتابية ، ولا نسخ منها شيء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، قال : سمعت عبد الله بن عباس ، يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات ، وحرّم كل ذات دين غير الإسلام ، وقال الله تعالى ذكره : وَمَنْ يَكْفُرْ باْلإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ . وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية ، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضبا شديدا حتى همّ بأن يسطو عليهما ، فقالا : نحن نطلّق يا أمير المؤمنين ولا تغضب ، فقال : لئن حلّ طلاقهن ، لقد حلّ نكاحهنّ ، ولكن انتزعهنّ منكم صَغَرةً قِمَاءً .
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات ، وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها لم ينسخ منها شيء ، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها . وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله : وَالمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ للمؤمنين من نكاح محصناتهن ، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات .
وقد بينا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا ، وفي كتابنا «كتاب اللطيف من البيان » أن كل آيتين أو خبرين كان أحدهما نافيا حكم الاَخر في فطرة العقل ، فغير جائز أن يقضى على أحدهما بأنه ناسخ حكم الاَخر إلا بحجة من خبر قاطع للعذر مجيئه ، وذلك غير موجود أن قوله : والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أوّتُوا الكِتابَ ناسخ ما كان قد وجب تحريمه من النساء بقوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ . فإن لم يكن ذلك موجودا كذلك ، فقول القائل : «هذه ناسخة هذه » دعوى لا برهان له عليها ، والمدعِي دعوى لا برهان له عليها متحكم ، والتحكم لا يعجز عنه أحد .
وأما القول الذي رُوي عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، عن عمر رضي الله عنه من تفريقه بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما اللتين كانتا كتابيتين ، فقول لا معنى له لخلافه ما الأمة مجتمعة على تحليله بكتاب الله تعالى ذكره ، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من القول خلاف ذلك بإسناد هو أصحّ منه ، وهو ما :
حدثني به موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن زيد بن وهب ، قال : قال عمر : المسلم يتزوّج النصرانية ، ولا يتزوّج النصراني المسلمة .
وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاح اليهودية والنصرانية ، حذرا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فيزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني ، فأمرهما بتخليتهما . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا الصلت بن بهرام ، عن شقيق ، قال : تزوّج حذيفة يهودية ، فكتب إليه عمر : خَلّ سبيلها ، فكتب إليه : أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ، ولكن أخاف أن تعاطوا المؤمنات منهن .
3وقد حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن أشعث بن سوار ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نَتَزَوّجُ نِساءَ أهْلِ الْكِتابِ وَلا يَتَزَوّجُونَ نِسَاءنَا » .
فهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه ، فالقول به لإجماع الجميع على صحة القول به أولى من خبر عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب . فمعنى الكلام إذا : ولا تنكحوا أيها المؤمنون مشركات غير أهل الكتاب حتى يؤمنّ ، فيصدّقن بالله ورسوله ، وما أنزل عليه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْركَةٍ .
يعني تعالى ذكره بقوله : ولأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ بالله وبرسوله ، وبما جاء به من عند الله خير عند الله ، وأفضل من حرّة مشركة كافرة وإن شرف نسبها وكرم أصلها . يقول : ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشرف من أهل الشرك بالله ، فإن الإماء المسلمات عند الله خير منكحا منهن .
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل نكح أمة ، فعذل في ذلك وعرضت عليه حرّة مشركة . ذكر من قال ذلك :
3حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْركَةٍ وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ قال : نزلت في عبد الله بن رواحة ، وكانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ثم فزع ، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبرها ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ما هيَ يا عَبْدَ اللّهِ ؟ » قال : يا رسول الله هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . فقال : «هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ » فقال عبد الله : فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، فقالوا : تزوّج أمة . وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين ، ويُنكحوهم رغبة في أحسابهم . فأنزل الله فيهم : وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْركَةٍ وعبد مؤمن خير من مشرك .
3حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني الحجاج ، قال : قال ابن جريج في قوله : وَلا تَنْكِحُوا المُشْركاتِ حّتى يُؤْمِنّ قال : المشركات لشرفهن حتى يؤمن .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ .
يعني تعالى ذكره بذلك : وإن أعجبتكم المشركة من غير أهل الكتاب في الجمال والحسب والمال فلا تنكحوها ، فإن الأمة المؤمنة خير عند الله منها وإنما وضعت «لو » موضع «إن » لتقارب مخرجيهما ومعنييهما ، ولذلك تجاب كل واحدة منهما بجواب صاحبتها على ما قد بينا فيما مضى قبل .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حّتى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ .
يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركا ، كائنا من كان المشرك من أيّ أصناف الشرك كان . فلا تُنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ، ولأن تزوّجوهن من عبد مؤمن مصدّق بالله وبرسوله ، وبما جاء به من عند الله ، خير لكم من أن تزوّجوهن من حرّ مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله ، وإن أعجبكم حسبه ونسبه .
وكان أبو جعفر محمد بن عليّ يقول : هذا القول من الله تعالى ذكره ، دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة .
حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي ، قال : أخبرنا حفص بن غياث عن شيخ لم يسمه ، قال أبو جعفر : النكاح بوليّ في كتاب الله . ثم قرأ : وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حّتى يُؤْمِنُوا برفع التاء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والزهري في قوله : وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ قال : لا يحلّ لك أن تُنكح يهوديا أو نصرانيا ، ولا مشركا من غير أهل دينك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج : وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ لشرفهم حَتّى يُؤْمِنُوا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري : وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا قال : حرّم المسلمات على رجالهم يعني رجال المشركين .
القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلى النّار وَاللّهُ يَدْعُو إلَى الجَنةِ وَالمَغْفِرَةِ بإذْنِهِ ويُبَيّنُ آياتِهِ للنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ .
يعني تعالى ذكره بقوله : أُولَئِكَ هؤلاء الذين حرمت عليكم أيها المؤمنون مناكحتهم من رجال أهل الشرك ونسائهم يدعونكم إلى النار ، يعني يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النار ، وذلك هو العمل الذي هم به عاملون من الكفر بالله ورسوله . يقول : ولا تقبلوا منهم ما يقولون ، ولا تستنصحوهم ، ولا تنكحوهم ، ولا تنكحوا إليهم ، فإنهم لا يألونكم خبالاً ولكن اقبلوا من الله ما أمركم به ، فاعملوا به ، وانتهوا عما نهاكم عنه ، فإنه يدعوكم إلى الجنة . يعني بذلك : يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار ، وإلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم فيعفو عنها ، ويسترها عليكم .
وأما قوله : بإذْنِهِ فإنه يعني أنه يدعوكم إلى ذلك بإعلامه إياكم سبيله وطريقه الذي به الوصول إلى الجنة والمغفرة ثم قال تعالى ذكره : ويُبَيّنُ آياتِهِ للنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ يقول : ويوضح حججه وأدلته في كتابه الذي أنزله على لسان رسوله لعباده ليتذكروا فيعتبروا ، ويميزوا بين الأمرين اللذين أحدهما دعاء إلى النار والخلود فيها والاَخر دعاء إلى الجنة وغفران الذنوب ، فيختاروا خيرهما لهم . ولم يجهل التمييز بين هاتين إلا غبيّ الرأي ، مدخول العقل .