النكاح : الوطء وهو المجامعة ، قال التبريزي : وأصله عند العرب لزوم الشيء الشيء وإكبابه عليه ، ومنه قولهم : نكح المطر الأرض .
حكاه ثعلب في ( الامالي ) عن أبي زيد وابن الإِعرابي ، وحكى الفراء عن العرب : نكح المرأة ، بضم النون ، بضعة هي بين القبل والدبر ، فإذا قالوا نكحها ، فمعناه أصاب نكحها ، أي ذلك الموضع منها ، وقلما يقال ناكحها كما يقال باضعها ، قيل : وقد جاء النكاح في أشعار العرب يراد به العقد خاصة ، ومن ذلك قول الشاعر :
أي فاعقد وتزّوج ، وإلاَّ فاجتنب النساء وتوحش ، لأنه قال : لا تقربن جارة على الوجه الذي يحرم .
وجاء بمعنى المجامعة ، كما قال :
وقال أبو علي : فرّقت العرب بين العقد والوطء بفرق لطيف ، فإذا قالوا : نكح فلان فلانة ، أرادوا به العقد لا غير ، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته فلا يريدون غير المجامعة .
الأمة : المملوكة من النساء ، وهي ما حذف لامه ، وهو واو يدل على ذلك ظهورها في الجمع قال الكلابي .
أما الإماء فلا يدعونني ولداً***
وفي المصدر : يقال أمة بينة الأموّة ، وأقرّت بالأموّة ، أي بالعبودية .
وجمعت أيضاً على : إماء ، وأآم ، نحو أكمة وآكام وأكم ، وأصله أأمو ، وجرى فيه ما يقتضيه التصريف ، وفي الحديث : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » وقال الشاعر :
ووزنها أموة ، فحذفت لامها على غير قياس ، إذ كان قياسها أن تنقلب ألفاً لتحركها ، وانفتاح ما قبلها كقناة ، وزعم أبو الهيثم : أن جمع الأمة أمو ، وأن وزنها فعلة بسكون العين ، فتكون مثل : نخلة ونخل ، وبقلة وبقل ، فأصلها : أموة فحذفوا لامها إذ كانت حرف لين ، فلما جمعوها على مثال نخلة ونخل لزمهم أن يقولوا : أمة وأم ، فكرهوا أن يجعلوها حرفين ، وكرهوا أن يردوا الواو المحذوفة لما كانت آخر الاسم ، فقدموا الواو ، وجعلوه ألفاً ما بين الألف والميم ، وما زعمه أبو الهيثم ليس بشيء ، إذ لو كان على ما زعم لكان الإعراب على الميم كما كان على لام نخل ، ولكنه على الياء المحذوفة التي هي لام ، إذ أصله ألامو ، ثم عمل فيه ما عمل في قولهم : الأدلو ، والأجرو ، جمع : دلو ، وجرو ، وأبدلت الهمزة الثانية ألفاً كما أبدلت في : آدم ، ولذلك تقول : جاءت الآمي ، ولو كان على ما زعم أبو الهيثم لكان : جاءت الآم ، برفع الميم .
{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ } قال ابن عباس : نزلت في عبد الله بن رواحة ، أعتق أمة وتزوّجها ، وكانت مسلمة ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، فقالوا : نكح أمة ، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين رغبة في أحسابهم ، فنزلت .
وقال مقاتل : نزلت في أبي مرثد الغنوي ، واسمه كناز بن الحصين ، وفي قول : إنه مرثد بن أبي مرثد ، وهو حليف لبني هاشم استأذن أن يتزوّج عناق ، وهي امرأة من قريش ذات حظ من جمال ، مشركة ، وقال : يا رسول الله إنها تعجبني ، وروي هذا السبب أيضاً عن ابن عباس بأطول من هذا .
وقيل : نزلت في حسناء وليدة سوداء لحذيفة بن اليمان ، أعتقها وتزوّجها ، ويحتمل أن يكون السبب جميع هذه الحكايات .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر تعالى حكم اليتامى في المخالطة ، وكانت تقتضي المناكحة وغيرها مما يسمى مخالطة .
حتى إن بعضهم فسرها بالمصاهرة فقط ، ورجح ذلك كما تقدم ذكره ، وكان من اليتامى من يكون من أولاد الكفار ، نهى الله تعالى عن مناكحة المشركات والمشركين ، وأشار إلى العلة المسوّغة للنكاح ، وهي : الأخوة الدينية ، فنهى عن نكاح من لم تكن فيه هذه الأخوة ، واندرج يتامى الكفار في عموم من أشرك .
ومناسبة أخرى : أنه لما تقدم حكم الشرب في الخمر ، والأكل في الميسر ، وذكر حكم المنكح ، فكما حرم الخمر من المشروبات ، وما يجر إليه الميسر من المأكولات ، حرّم المشركات من المنكوحات .
وقرأ الجمهور : ولا تنكحوا ، بفتح التاء من نكح ، وهو يطلق بمعنى العقد ، وبمعنى الوطء بملك وغيره ؛ وقرأ الأعمش : ولا تنكحوا بضم التاء من انكح ، أي : ولا تنكحوا أنفسكم المشركات .
والمشركات هنا : الكفار فتدخل الكتابيات ، ومن جعل مع الله إلهاً آخر ، وقيل : لا تدخل الكتابيات ، والصحيح دخولهنّ لعبادة اليهود عزيراً ، والنصارى عيسى ، ولقوله : { سبحانه وتعالى عما يشركون } وهذا القول الثاني هو قول جل المفسرين .
وقيل : المراد مشركات العرب ، قاله قتادة .
فعلى قول من قال : إنه تدخل فيهنّ الكتابيات ، يحتاج إلى مجوّز نكاحهنّ فروي عن ابن عباس أنه عموم نسخ ، وعن مجاهد عموم خص منه الكتابيات ، وروي عن ابن عباس : أن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات ، وكل من على غير دين الإسلام ، ونكاحهنّ حرام .
والآية محكمة على هذا ، ناسخة لآية المائدة .
وآية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية ، وإن كانت متأخرة في التلاوة ، ويؤكد هذا قول ابن عمر في ( الموطأ ) : ولا أعلم إشراكاً أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى .
وروي أن طلحة بن عبيد الله نكح يهودية ، وأن حذيفة نكح نصرانية ، وان عمر غضب عليهما غضباً شديداً حتى هَمَّ أن يسطو عليهما ، وتزوّج عثمان نائله بنت الفرافصة ، وكانت نصرانية .
ويجوز نكاح الكتابيات ، قال جمهور الصحابة والتابعين ، عمر ، وعثمان ، وجابر ، وطلحة ، وحذيفة ، وعطاء ، وابن المسيب ، والحسن ، وطاووس ، وابن جبير ، والزهري ، وبه قال الشافعي : وعامة أهل المدينة والكوفة ، قيل : أجمع علماء الأمصار على جواز تزويج الكتابيات ، غير أن مالكاً وإبن حنبل كرها ذلك مع وجود المسلمات والقدرة على نكاحهن .
واختلف في تزويج المجوسيات ، وقد تزوّج حذيفة بمجوسية ، وفي كونهم أهل كتاب خلاف ، وروي عن جماعة أن لهم نبياً يسمى زرادشت ، وكتاباً قديماً رفع ، روي حديث الكتاب عن علي ، وابن عباس ، وذكر لرفعه وتغيير شريعتهم سبب طويل ، والله أعلم بصحته .
ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب الفقه ، وظاهر النهي في قوله : ولا تنكحوا التحريم ، وقيل : هو نهي كراهة ، حتى يؤمن ، غاية للمنع من نكاحهنّ ، ومعنى إيمانهنّ اقرارهنّ بكلمتي الشهادة التزام شرائع الإسلام .
{ ولأمة مؤمنة خير من مشركة } الظاهر أنه أريد بالأمة الرقيقة ، ومعنى : خير من مشركة ، أي : من حرة مشركة ، فحذف الموصوف لدلالة مقابله عليه ، وهو أمة ، وقيل : الأمة هنا بمعنى المرأة ، فيشمل الحرّة والرقيقة ، ومنه : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » .
وهذا قول الضحاك : ولم يذكر الزمخشري غيره ، وفي هذا دليل على جواز نكاح الأمُّة المؤمنة ، ومفهوم الصفة يقتضي أنه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة ، كتابية كانت أو غيرها ، وهذا مذهب مالك وغيره ؛ وأجاز أبو حنيفة وأصحابه نكاح الأمة المجوسية ، وفي الأمة المجوسية خلاف : مذهب مالك وجماعة أنه لا يجوز أن توطأ بنكاح ولا ملك ، وروي عن عطاء ، وعمرو بن دينار أنه لا بأس بنكاحها بملك اليمين ، وتأولا : { ولا تنكحوا المشركات } على العقد لا على الأمة المشتراة ، واحتجَّا بسبي أوطاس ، وأن الصحابة نكحوا الإماء منهم بملك اليمين .
قيل : وفي هذه الآية دليل لجواز نكاح القادر على طول الحرّة المسلمة للأمة المسلمة ، ووجه الاستدلال أن قوله : { خير من مشركة } معناه من : حرة مشركة ، وواجد طول الحرة المشركة واجد لطول الحرّة المسلمة ، لأنه لا يتفاوت الطولان بالنسبة إلى الإيمان والكفر ، فقدر المال المحتاج إليه في أهبة نكاحها سواء ، فيلزم من هذا أن واجد طول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة المسلمة وهذا استدلال لطيف .
وأمة : مبتدأ ، ومسوّغ جواز الابتداء الوصف ، و : خير ، خبر .
وقد استدل بقوله : خير ، على جواز نكاح المشركة لأن أفعل التفضيل يقتضي التشريك ، ويكون النهي أوّلاً على سبيل الكراهة ، قالوا : والخيرية إنما تكون بين شيئين جائزين ، ولا حجة في ذلك ، لأن التفضيل قد يقع على سبيل الاعتقاد .
لا على سبيل الوجود ، ومنه : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً } و : العسل أحلى من الخل ؛ وقال عمر ، في رسالته لأبي موسى : الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، ويحتمل إبقاء الخيرية على الاشتراك الوجودي ، ولا يدل ذلك على جواز النكاح بأن نكاح المشركة يشتمل على منافع دنيوية ، ونكاح الأمة المؤمنة على منافع أخروية ، فقد اشترك النفعان في مطلق النفع إلا أن نفع الآخرة له المزية العظمى ، فالحكم بهذا النفع الدنيوي لا يقتضي التسويغ ، كما أن الخمر والميسر فيهما منافع ، ولا يقتضي ذلك الإباحة ، وما من شيء محرم إلاَّ يكاد يكون فيه نفع مّا .
وهذه التأويلات في أفعل التفضيل هو على مذهب سيبويه والبصريين في أن لفظة : أفعل ، التي للتفضيل ، لا تصح حيث لا اشتراك ، كقولك : الثلج أبرد من النار ، والنور أضوء من الظلمة ؛ وقال الفراء وجماعة من الكوفيين : يصح حيث الاشتراك ، وحيث لا يكون اشتراك ؛ وقال ابراهيم بن عرفة : لفظة التفضيل تجيء في كلام العرب إيجاباً للأول ، ونفياً عن الثاني ، فعلى قول هو لا يصح أن لا يكون خير في المشركة وإنما هو في الأمة المؤمنة .
{ ولو أعجبتكم } لو : هذه بمعنى إن الشرطية ، نحو : «ردّوا السائل ولو بظلف شاة محرق » .
والواو في : ولو ، للعطف على حال محذوفة ، التقدير : خير من مشركة على كل حال ، ولو في هذه الحال ، وقد ذكرنا أن هذا يكون لاستقصاء الأحوال ، وأن ما بعد لو هذه إنما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه مّا ، فالإعجاب منافٍ لحكم الخيرية ، ومقتضٍ جواز النكاح لرغبة الناكح فيها ، وأسند الإعجاب إلى ذات المشركة ، ولم يبين ما للمعجب منها ، فالمراد مطلق الإعجاب ، إما لجمال ، أو شرف ، أو مال أو غير ذلك مما يقع به الإعجاب .
والمعنى : أن المشركة ، وإن كانت فائقة في الجمال والمال والنسب ، فالأمة المؤمنة خير منها ، لأن ما فاقت به المشركة يتعلق بالدنيا ، والإيمان يتعلق بالآخرة ، والآخرة خير من الدنيا ، فبالتوافق في الدين تكمل المحبة ومنافع الدنيا من الصحبة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد ، وبالتباين في الدين لا تحصل المحبة ولا شيء من منافع الدنيا .
{ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } القراءة بضم التاء إجماع من القراء ، والخطاب للأولياء ، والمفعول الثاني محذوف ، التقدير : ولا تنكحوا المشركين المؤمنات .
وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه مّا ، والنهي هنا للتحريم ، وقد استدل بهذا الخطاب على الولاية في النكاح وأن ذلك نص فيها .
{ ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } : الكلام في هذه الجملة كالكلام في الجملة التي قبلها ، والخلاف في المراد بالعبد : أهو بمعنى الرقيق أم بمعنى الرجل ؟ كهو في الأمة هناك ، وهل المعنى : خير من حر مشرك ، حتى يقابل العبد ؟ أو من مشرك على الإطلاق فيشمل العبد والحر ، كما هو في قوله : خير من مشركة ؟
{ أولئك يدعون إلى النار } هذه إشارة إلى الصنفين ، المشركات والمشركين ، و : يدعون ، يحتمل أن يكون الدعاء بالقول ، كقول : { وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } ويحتمل أن لا يكون القول ، بل بسبب المحبة والمخالطة تسرق إليه من طباع الكفار ما يحمله على الموافقة لهم في دينهم ، والعياذ بالله ، فتكون من أهل النار .
وقيل : معناه يدعون إلى ترك المحاربة والقتال ، وفي تركهما وجوب استحقاق النار ، وتفرق صاحب هذا التأويل بين الذمّية وغيرها ، فإن الذمّية لا يحمل زوجها على المقاتلة .
وقيل : المعنى أن الولد الذي يحدث ربما دعاه الكافر إلى الكفر فيوافق ، فيكون من أهل النار ، والذي يدل عليه ظاهر الآية : أن الكفار يدعون إلى النار قطعاً ، إما بالقول .
وأما أن تؤدي إليه الخلطة ، والتآلف والتناكح ، والمعنى : أن من كان داعياً إلى النار يجب اجتنابه لئلا يستميل بدعائه دائماً معاشره فيجيبه إلى ما دعاه ، فيهلك .
وفي هذه الآية تنبيه على العلة المانعة من المناكحة في الكفار ، لما هم عليه من الالتباس بالمحرّمات من : الخمر والخنزير ، والانغماس في القاذورات ، وتربية النسل وسرقة الطباع من طباعهم ، وغير ذلك مما لا تعادل فيه شهوة النكاح في بعض ما هم عليه ، وإذا نظر إلى هذه العلة فهي موجودة في كل كافر وكافرة فتقتضي المنع من المناكحة مطلقاً .
وسيأتي الكلام في سورة المائدة إن شاء الله تعالى ، ونبدي هناك ان شاء الله كونها لا تعارض هذه .
و : إلى ، متعلق بيدعون كقوله : { والله يدعو إلى دار السلام } ويتعدى أيضاً باللام ، كقوله .
ومفعول يدعون محذوف : إما اقتصاراً إذ المقصود إثبات أن من شأنهم الدعاء إلى النار من غير ملاحظة مفعول خاص ، وإما اختصاراً ، فالمعنى : أولئك يدعونكم إلى النار .
{ والله يدعو إلى الجنة والمغفرة } هذا مما يؤكد منع مناكحة الكفار ، إذ ذكر قسيمان : أحدهما يجب اتباعه ، وآخر يجب اجتنابه ، فتباين القسيمان ، ولا يمكن إجابة دعاء الله واتباع ما أمر به إلاَّ باجتناب دعاء الكفار وتركهم رأساً ، ودعاء الله إلى اتباع دينه الذي هو سبب في دخول الجنة ، فعبر بالمسبب عن السبب لترتبه عليه .
وظاهر الآية الإخبار عن الله تعالى بأنه هو تعالى يدعو إلى الجنة ، وقال الزمخشري : يعني : وأولياء الله وهم المؤمنون يدعون إلى الجنة والمغفرة ، وما يوصل إليهما ، فهم الذين تجب موالاتهم ومصاهرتهم ، وأن يؤثروا على غيرهم . انتهى .
وحامله على أن ذلك هو على حذف مضاف طلب المعادلة بين المشركين والمؤمنين في الدعاء ، فلما أخبر عن من أشرك أنه يدعو إلى النار ، جعل من آمن يدعو إلى الجنة ، ولا يلزم ما ذكر ، بل إجراء اللفظ على ظاهره من نسبة الدعاء إلى الله تعالى هو آكد في التباعد من المشركين ، حيث جعل موجد العالم منافياً لهم في الدعاء ، فهذا أبلغ من المعادلة بين المشركين والمؤمنين .
وقرأ الجمهور : والمغفرة ، بالخفض عطفاً على الجنة ، والمعنى أنه تعالى يدعو إلى المغفرة ، أي : إلى سبب المغفرة ، وهي التوبة والتزام الطاعات ، وتقدم هنا الجنة على المغفرة ، وتأخر عنها في قوله : { سارعو إلى مغفرة من ربكم وجنة } وفي قوله : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة } والأصل فيه تقدم المغفرة على الجنة ، لأن دخول الجنة متسبب عن حصول المغفرة ، ففي تلك الآيتين جاء على هذا الأصل ، وأما هنا ، فتقدم ذكر الجنة على المغفرة لتحسن المقابلة ، فإن قبله { أولئك يدعون إلى النار } فجاء { والله يدعو إلى الجنة } وليبدأ بما تتشوف إليه النفس حين ذكر دعاء الله ، فأتى بالأشرف للأشرف ، ثم أتبع بالمغفرة على سبيل التتمة في الإحسان ، وتهيئة سبب دخول الجنة .
وقرأ الحسن : والمغفرة ، بالرفع على الابتداء ، والخبر : قوله : { بإذنه } أي : والمغفرة حاصلة بتيسيره وتسويفه ، وتقدم تفسير الأذن ، وعلى قراآت الجمهور يكون بإذنه متعلقاً بقوله : يدعو .
{ ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون } أي : يظهرها ويكشفها بحيث لا يحصل فيها التباس ، أي أن هذا التبيين ليس مختصاً بناس دون ناس ، بل يظهر آياته لكل أحد رجاء أن يحصل بظهور الآيات تذكر واتعاظ ، لأن الآية متى كانت جلية واضحة ، كانت بصدد أن يحصل بها التذكر ، فيحصل الامتثال لما دلت عليه تلك الآيات من موافقة الأمر ، ومخالفة النهي .
و : للناس ، متعلق : بيبين ، و : اللام ، معناها الوصول والتبليغ ، وهو أحد معانيها المذكورة في أول الفاتحة .