البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (221)

النكاح : الوطء وهو المجامعة ، قال التبريزي : وأصله عند العرب لزوم الشيء الشيء وإكبابه عليه ، ومنه قولهم : نكح المطر الأرض .

حكاه ثعلب في ( الامالي ) عن أبي زيد وابن الإِعرابي ، وحكى الفراء عن العرب : نكح المرأة ، بضم النون ، بضعة هي بين القبل والدبر ، فإذا قالوا نكحها ، فمعناه أصاب نكحها ، أي ذلك الموضع منها ، وقلما يقال ناكحها كما يقال باضعها ، قيل : وقد جاء النكاح في أشعار العرب يراد به العقد خاصة ، ومن ذلك قول الشاعر :

فلا تقربن جارة إن سرها***

عليك حرام ، فانكحنْ أو تأبدا

أي فاعقد وتزّوج ، وإلاَّ فاجتنب النساء وتوحش ، لأنه قال : لا تقربن جارة على الوجه الذي يحرم .

وجاء بمعنى المجامعة ، كما قال :

الباركين على ظهور نسوتهم***

والناكحين بشاطى دجلة البقرا

وقال أبو علي : فرّقت العرب بين العقد والوطء بفرق لطيف ، فإذا قالوا : نكح فلان فلانة ، أرادوا به العقد لا غير ، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته فلا يريدون غير المجامعة .

الأمة : المملوكة من النساء ، وهي ما حذف لامه ، وهو واو يدل على ذلك ظهورها في الجمع قال الكلابي .

أما الإماء فلا يدعونني ولداً***

إذا تداعى بنو الاموات بالعار

وفي المصدر : يقال أمة بينة الأموّة ، وأقرّت بالأموّة ، أي بالعبودية .

وجمعت أيضاً على : إماء ، وأآم ، نحو أكمة وآكام وأكم ، وأصله أأمو ، وجرى فيه ما يقتضيه التصريف ، وفي الحديث : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » وقال الشاعر :

يمشى بها ريد النعا***

م تماشى الآم الدوافر

ووزنها أموة ، فحذفت لامها على غير قياس ، إذ كان قياسها أن تنقلب ألفاً لتحركها ، وانفتاح ما قبلها كقناة ، وزعم أبو الهيثم : أن جمع الأمة أمو ، وأن وزنها فعلة بسكون العين ، فتكون مثل : نخلة ونخل ، وبقلة وبقل ، فأصلها : أموة فحذفوا لامها إذ كانت حرف لين ، فلما جمعوها على مثال نخلة ونخل لزمهم أن يقولوا : أمة وأم ، فكرهوا أن يجعلوها حرفين ، وكرهوا أن يردوا الواو المحذوفة لما كانت آخر الاسم ، فقدموا الواو ، وجعلوه ألفاً ما بين الألف والميم ، وما زعمه أبو الهيثم ليس بشيء ، إذ لو كان على ما زعم لكان الإعراب على الميم كما كان على لام نخل ، ولكنه على الياء المحذوفة التي هي لام ، إذ أصله ألامو ، ثم عمل فيه ما عمل في قولهم : الأدلو ، والأجرو ، جمع : دلو ، وجرو ، وأبدلت الهمزة الثانية ألفاً كما أبدلت في : آدم ، ولذلك تقول : جاءت الآمي ، ولو كان على ما زعم أبو الهيثم لكان : جاءت الآم ، برفع الميم .

{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ } قال ابن عباس : نزلت في عبد الله بن رواحة ، أعتق أمة وتزوّجها ، وكانت مسلمة ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، فقالوا : نكح أمة ، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين رغبة في أحسابهم ، فنزلت .

وقال مقاتل : نزلت في أبي مرثد الغنوي ، واسمه كناز بن الحصين ، وفي قول : إنه مرثد بن أبي مرثد ، وهو حليف لبني هاشم استأذن أن يتزوّج عناق ، وهي امرأة من قريش ذات حظ من جمال ، مشركة ، وقال : يا رسول الله إنها تعجبني ، وروي هذا السبب أيضاً عن ابن عباس بأطول من هذا .

وقيل : نزلت في حسناء وليدة سوداء لحذيفة بن اليمان ، أعتقها وتزوّجها ، ويحتمل أن يكون السبب جميع هذه الحكايات .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر تعالى حكم اليتامى في المخالطة ، وكانت تقتضي المناكحة وغيرها مما يسمى مخالطة .

حتى إن بعضهم فسرها بالمصاهرة فقط ، ورجح ذلك كما تقدم ذكره ، وكان من اليتامى من يكون من أولاد الكفار ، نهى الله تعالى عن مناكحة المشركات والمشركين ، وأشار إلى العلة المسوّغة للنكاح ، وهي : الأخوة الدينية ، فنهى عن نكاح من لم تكن فيه هذه الأخوة ، واندرج يتامى الكفار في عموم من أشرك .

ومناسبة أخرى : أنه لما تقدم حكم الشرب في الخمر ، والأكل في الميسر ، وذكر حكم المنكح ، فكما حرم الخمر من المشروبات ، وما يجر إليه الميسر من المأكولات ، حرّم المشركات من المنكوحات .

وقرأ الجمهور : ولا تنكحوا ، بفتح التاء من نكح ، وهو يطلق بمعنى العقد ، وبمعنى الوطء بملك وغيره ؛ وقرأ الأعمش : ولا تنكحوا بضم التاء من انكح ، أي : ولا تنكحوا أنفسكم المشركات .

والمشركات هنا : الكفار فتدخل الكتابيات ، ومن جعل مع الله إلهاً آخر ، وقيل : لا تدخل الكتابيات ، والصحيح دخولهنّ لعبادة اليهود عزيراً ، والنصارى عيسى ، ولقوله : { سبحانه وتعالى عما يشركون } وهذا القول الثاني هو قول جل المفسرين .

وقيل : المراد مشركات العرب ، قاله قتادة .

فعلى قول من قال : إنه تدخل فيهنّ الكتابيات ، يحتاج إلى مجوّز نكاحهنّ فروي عن ابن عباس أنه عموم نسخ ، وعن مجاهد عموم خص منه الكتابيات ، وروي عن ابن عباس : أن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات ، وكل من على غير دين الإسلام ، ونكاحهنّ حرام .

والآية محكمة على هذا ، ناسخة لآية المائدة .

وآية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية ، وإن كانت متأخرة في التلاوة ، ويؤكد هذا قول ابن عمر في ( الموطأ ) : ولا أعلم إشراكاً أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى .

وروي أن طلحة بن عبيد الله نكح يهودية ، وأن حذيفة نكح نصرانية ، وان عمر غضب عليهما غضباً شديداً حتى هَمَّ أن يسطو عليهما ، وتزوّج عثمان نائله بنت الفرافصة ، وكانت نصرانية .

ويجوز نكاح الكتابيات ، قال جمهور الصحابة والتابعين ، عمر ، وعثمان ، وجابر ، وطلحة ، وحذيفة ، وعطاء ، وابن المسيب ، والحسن ، وطاووس ، وابن جبير ، والزهري ، وبه قال الشافعي : وعامة أهل المدينة والكوفة ، قيل : أجمع علماء الأمصار على جواز تزويج الكتابيات ، غير أن مالكاً وإبن حنبل كرها ذلك مع وجود المسلمات والقدرة على نكاحهن .

واختلف في تزويج المجوسيات ، وقد تزوّج حذيفة بمجوسية ، وفي كونهم أهل كتاب خلاف ، وروي عن جماعة أن لهم نبياً يسمى زرادشت ، وكتاباً قديماً رفع ، روي حديث الكتاب عن علي ، وابن عباس ، وذكر لرفعه وتغيير شريعتهم سبب طويل ، والله أعلم بصحته .

ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب الفقه ، وظاهر النهي في قوله : ولا تنكحوا التحريم ، وقيل : هو نهي كراهة ، حتى يؤمن ، غاية للمنع من نكاحهنّ ، ومعنى إيمانهنّ اقرارهنّ بكلمتي الشهادة التزام شرائع الإسلام .

{ ولأمة مؤمنة خير من مشركة } الظاهر أنه أريد بالأمة الرقيقة ، ومعنى : خير من مشركة ، أي : من حرة مشركة ، فحذف الموصوف لدلالة مقابله عليه ، وهو أمة ، وقيل : الأمة هنا بمعنى المرأة ، فيشمل الحرّة والرقيقة ، ومنه : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » .

وهذا قول الضحاك : ولم يذكر الزمخشري غيره ، وفي هذا دليل على جواز نكاح الأمُّة المؤمنة ، ومفهوم الصفة يقتضي أنه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة ، كتابية كانت أو غيرها ، وهذا مذهب مالك وغيره ؛ وأجاز أبو حنيفة وأصحابه نكاح الأمة المجوسية ، وفي الأمة المجوسية خلاف : مذهب مالك وجماعة أنه لا يجوز أن توطأ بنكاح ولا ملك ، وروي عن عطاء ، وعمرو بن دينار أنه لا بأس بنكاحها بملك اليمين ، وتأولا : { ولا تنكحوا المشركات } على العقد لا على الأمة المشتراة ، واحتجَّا بسبي أوطاس ، وأن الصحابة نكحوا الإماء منهم بملك اليمين .

قيل : وفي هذه الآية دليل لجواز نكاح القادر على طول الحرّة المسلمة للأمة المسلمة ، ووجه الاستدلال أن قوله : { خير من مشركة } معناه من : حرة مشركة ، وواجد طول الحرة المشركة واجد لطول الحرّة المسلمة ، لأنه لا يتفاوت الطولان بالنسبة إلى الإيمان والكفر ، فقدر المال المحتاج إليه في أهبة نكاحها سواء ، فيلزم من هذا أن واجد طول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة المسلمة وهذا استدلال لطيف .

وأمة : مبتدأ ، ومسوّغ جواز الابتداء الوصف ، و : خير ، خبر .

وقد استدل بقوله : خير ، على جواز نكاح المشركة لأن أفعل التفضيل يقتضي التشريك ، ويكون النهي أوّلاً على سبيل الكراهة ، قالوا : والخيرية إنما تكون بين شيئين جائزين ، ولا حجة في ذلك ، لأن التفضيل قد يقع على سبيل الاعتقاد .

لا على سبيل الوجود ، ومنه : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً } و : العسل أحلى من الخل ؛ وقال عمر ، في رسالته لأبي موسى : الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، ويحتمل إبقاء الخيرية على الاشتراك الوجودي ، ولا يدل ذلك على جواز النكاح بأن نكاح المشركة يشتمل على منافع دنيوية ، ونكاح الأمة المؤمنة على منافع أخروية ، فقد اشترك النفعان في مطلق النفع إلا أن نفع الآخرة له المزية العظمى ، فالحكم بهذا النفع الدنيوي لا يقتضي التسويغ ، كما أن الخمر والميسر فيهما منافع ، ولا يقتضي ذلك الإباحة ، وما من شيء محرم إلاَّ يكاد يكون فيه نفع مّا .

وهذه التأويلات في أفعل التفضيل هو على مذهب سيبويه والبصريين في أن لفظة : أفعل ، التي للتفضيل ، لا تصح حيث لا اشتراك ، كقولك : الثلج أبرد من النار ، والنور أضوء من الظلمة ؛ وقال الفراء وجماعة من الكوفيين : يصح حيث الاشتراك ، وحيث لا يكون اشتراك ؛ وقال ابراهيم بن عرفة : لفظة التفضيل تجيء في كلام العرب إيجاباً للأول ، ونفياً عن الثاني ، فعلى قول هو لا يصح أن لا يكون خير في المشركة وإنما هو في الأمة المؤمنة .

{ ولو أعجبتكم } لو : هذه بمعنى إن الشرطية ، نحو : «ردّوا السائل ولو بظلف شاة محرق » .

والواو في : ولو ، للعطف على حال محذوفة ، التقدير : خير من مشركة على كل حال ، ولو في هذه الحال ، وقد ذكرنا أن هذا يكون لاستقصاء الأحوال ، وأن ما بعد لو هذه إنما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه مّا ، فالإعجاب منافٍ لحكم الخيرية ، ومقتضٍ جواز النكاح لرغبة الناكح فيها ، وأسند الإعجاب إلى ذات المشركة ، ولم يبين ما للمعجب منها ، فالمراد مطلق الإعجاب ، إما لجمال ، أو شرف ، أو مال أو غير ذلك مما يقع به الإعجاب .

والمعنى : أن المشركة ، وإن كانت فائقة في الجمال والمال والنسب ، فالأمة المؤمنة خير منها ، لأن ما فاقت به المشركة يتعلق بالدنيا ، والإيمان يتعلق بالآخرة ، والآخرة خير من الدنيا ، فبالتوافق في الدين تكمل المحبة ومنافع الدنيا من الصحبة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد ، وبالتباين في الدين لا تحصل المحبة ولا شيء من منافع الدنيا .

{ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } القراءة بضم التاء إجماع من القراء ، والخطاب للأولياء ، والمفعول الثاني محذوف ، التقدير : ولا تنكحوا المشركين المؤمنات .

وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه مّا ، والنهي هنا للتحريم ، وقد استدل بهذا الخطاب على الولاية في النكاح وأن ذلك نص فيها .

{ ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } : الكلام في هذه الجملة كالكلام في الجملة التي قبلها ، والخلاف في المراد بالعبد : أهو بمعنى الرقيق أم بمعنى الرجل ؟ كهو في الأمة هناك ، وهل المعنى : خير من حر مشرك ، حتى يقابل العبد ؟ أو من مشرك على الإطلاق فيشمل العبد والحر ، كما هو في قوله : خير من مشركة ؟

{ أولئك يدعون إلى النار } هذه إشارة إلى الصنفين ، المشركات والمشركين ، و : يدعون ، يحتمل أن يكون الدعاء بالقول ، كقول : { وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } ويحتمل أن لا يكون القول ، بل بسبب المحبة والمخالطة تسرق إليه من طباع الكفار ما يحمله على الموافقة لهم في دينهم ، والعياذ بالله ، فتكون من أهل النار .

وقيل : معناه يدعون إلى ترك المحاربة والقتال ، وفي تركهما وجوب استحقاق النار ، وتفرق صاحب هذا التأويل بين الذمّية وغيرها ، فإن الذمّية لا يحمل زوجها على المقاتلة .

وقيل : المعنى أن الولد الذي يحدث ربما دعاه الكافر إلى الكفر فيوافق ، فيكون من أهل النار ، والذي يدل عليه ظاهر الآية : أن الكفار يدعون إلى النار قطعاً ، إما بالقول .

وأما أن تؤدي إليه الخلطة ، والتآلف والتناكح ، والمعنى : أن من كان داعياً إلى النار يجب اجتنابه لئلا يستميل بدعائه دائماً معاشره فيجيبه إلى ما دعاه ، فيهلك .

وفي هذه الآية تنبيه على العلة المانعة من المناكحة في الكفار ، لما هم عليه من الالتباس بالمحرّمات من : الخمر والخنزير ، والانغماس في القاذورات ، وتربية النسل وسرقة الطباع من طباعهم ، وغير ذلك مما لا تعادل فيه شهوة النكاح في بعض ما هم عليه ، وإذا نظر إلى هذه العلة فهي موجودة في كل كافر وكافرة فتقتضي المنع من المناكحة مطلقاً .

وسيأتي الكلام في سورة المائدة إن شاء الله تعالى ، ونبدي هناك ان شاء الله كونها لا تعارض هذه .

و : إلى ، متعلق بيدعون كقوله : { والله يدعو إلى دار السلام } ويتعدى أيضاً باللام ، كقوله .

دعوت لما نابني مسوراً***

ومفعول يدعون محذوف : إما اقتصاراً إذ المقصود إثبات أن من شأنهم الدعاء إلى النار من غير ملاحظة مفعول خاص ، وإما اختصاراً ، فالمعنى : أولئك يدعونكم إلى النار .

{ والله يدعو إلى الجنة والمغفرة } هذا مما يؤكد منع مناكحة الكفار ، إذ ذكر قسيمان : أحدهما يجب اتباعه ، وآخر يجب اجتنابه ، فتباين القسيمان ، ولا يمكن إجابة دعاء الله واتباع ما أمر به إلاَّ باجتناب دعاء الكفار وتركهم رأساً ، ودعاء الله إلى اتباع دينه الذي هو سبب في دخول الجنة ، فعبر بالمسبب عن السبب لترتبه عليه .

وظاهر الآية الإخبار عن الله تعالى بأنه هو تعالى يدعو إلى الجنة ، وقال الزمخشري : يعني : وأولياء الله وهم المؤمنون يدعون إلى الجنة والمغفرة ، وما يوصل إليهما ، فهم الذين تجب موالاتهم ومصاهرتهم ، وأن يؤثروا على غيرهم . انتهى .

وحامله على أن ذلك هو على حذف مضاف طلب المعادلة بين المشركين والمؤمنين في الدعاء ، فلما أخبر عن من أشرك أنه يدعو إلى النار ، جعل من آمن يدعو إلى الجنة ، ولا يلزم ما ذكر ، بل إجراء اللفظ على ظاهره من نسبة الدعاء إلى الله تعالى هو آكد في التباعد من المشركين ، حيث جعل موجد العالم منافياً لهم في الدعاء ، فهذا أبلغ من المعادلة بين المشركين والمؤمنين .

وقرأ الجمهور : والمغفرة ، بالخفض عطفاً على الجنة ، والمعنى أنه تعالى يدعو إلى المغفرة ، أي : إلى سبب المغفرة ، وهي التوبة والتزام الطاعات ، وتقدم هنا الجنة على المغفرة ، وتأخر عنها في قوله : { سارعو إلى مغفرة من ربكم وجنة } وفي قوله : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة } والأصل فيه تقدم المغفرة على الجنة ، لأن دخول الجنة متسبب عن حصول المغفرة ، ففي تلك الآيتين جاء على هذا الأصل ، وأما هنا ، فتقدم ذكر الجنة على المغفرة لتحسن المقابلة ، فإن قبله { أولئك يدعون إلى النار } فجاء { والله يدعو إلى الجنة } وليبدأ بما تتشوف إليه النفس حين ذكر دعاء الله ، فأتى بالأشرف للأشرف ، ثم أتبع بالمغفرة على سبيل التتمة في الإحسان ، وتهيئة سبب دخول الجنة .

وقرأ الحسن : والمغفرة ، بالرفع على الابتداء ، والخبر : قوله : { بإذنه } أي : والمغفرة حاصلة بتيسيره وتسويفه ، وتقدم تفسير الأذن ، وعلى قراآت الجمهور يكون بإذنه متعلقاً بقوله : يدعو .

{ ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون } أي : يظهرها ويكشفها بحيث لا يحصل فيها التباس ، أي أن هذا التبيين ليس مختصاً بناس دون ناس ، بل يظهر آياته لكل أحد رجاء أن يحصل بظهور الآيات تذكر واتعاظ ، لأن الآية متى كانت جلية واضحة ، كانت بصدد أن يحصل بها التذكر ، فيحصل الامتثال لما دلت عليه تلك الآيات من موافقة الأمر ، ومخالفة النهي .

و : للناس ، متعلق : بيبين ، و : اللام ، معناها الوصول والتبليغ ، وهو أحد معانيها المذكورة في أول الفاتحة .

/خ223