نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (221)

ولما ذكر تعالى فيما مر حلّ الجماع في ليل الصيام وأتبع ذلك من أمره ما أراد إلى أن ذكر المخالطة على وجه يشمل النكاح في سياق مانع مع الفساد داع إلى الصلاح وختم بوصف الحكمة ولما {[10204]}كان النكاح من معظم{[10205]} المخالطة في النفقة وغيرها وكان الإنسان جهولاً تولى{[10206]} سبحانه وتعالى بحكمته تعريفه ما يصلح له وما لا يصلح من ذلك ، وأخر أمر النكاح عن بيان ما ذكر معه من الأكل والشرب في ليل الصيام لأن الضرورة إليهما أعظم ، وقدمه في آية الصيام لأن النفس إليه أميل{[10207]} فقال عاطفاً على ما دل العطف على غير مذكور على أن تقديره{[10208]} : فخالطوهم{[10209]} وأنكحوا{[10210]} من تلونه{[10211]} من اليتيمات على وجه الإصلاح إن أردتم { ولا تنكحوا{[10212]} } قال الحرالي : مما{[10213]} منه النكاح وهو إيلاج نهد في فرج ليصيرا بذلك كالشيء الواحد - {[10214]}انتهى . و{[10215]}هذا{[10216]} أصله لغة ، والمراد هنا العقد لأنه استعمل في العقد في الشرع وكثر استعماله فيه وغلب حتى صار حقيقة شرعية فهو في الشرع حقيقة في العقد مجاز في الجماع وفي اللغة بالعكس وسيأتي عند{ حتى تنكح زوجاً غيره{[10217]} }[ البقرة : 230 ] عن الفارسي قرينة يعرف بها مراد أهل اللغة { المشركات{[10218]} } أي الوثنيات{[10219]} ، والأكثر على أن الكتابيات مما{[10220]} شملته الآية ثم خصت بآية{ و{[10221]}المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم{[10222]} }[ المائدة : 5 ] { حتى يؤمن } فإن المشركات شر محض { ولأمة } رقيقة{[10223]} { مؤمنة }{[10224]} لأن نفع{[10225]} الإيمان أمر ديني يرجع إلى{[10226]} الآخرة الباقية { خير } على سبيل التنزيل { من مشركة } حرة{[10227]} { ولو أعجبتكم } أي المشركة{[10228]} لأن نفع نسبها ومالها وجمالها{[10229]} يرجع إلى الدنيا الدنية الفانية . قال الحرالي : فانتظمت هذه الآيات في تبيين خير الخيرين وترجيح أمر الغيب في{[10230]} أمر الدين والعقبى في أدنى الإماء من المؤمنات خلقاً وكوناً وظاهر صورة على حال العين في أمر العاجلة من الدنيا في أعلى الحرائر من المشركات خلقاً وظاهر صورة{[10231]} وشرف بيت - انتهى { ولا تنكحوا } أيها الأولياء { المشركين } أي الكفار بأي كفر كان شيئاً من المسلمات { حتى يؤمنوا } فإن الكفار شر محض { ولعبد } أي مملوك{[10232]} { مؤمن{[10233]} خير } على سبيل التنزيل { من مشرك } حر{[10234]} { ولو أعجبكم } أي المشرك{[10235]} وأفهم هذا خيرية الحرة والحر المؤمنين من باب الأولى مع التشريف العظيم لهما بترك{[10236]} ذكرهما إعلاماً بأن خيريتهما أمر مقطوع به لا كلام فيه وأن المفاضلة إنما هي بين من{[10237]} كانوا يعدونه دنيا فشرفه الإيمان ومن يعدونه شريفاً{[10238]} فحقره الكفران ، وكذلك{[10239]} ذكر الموصوف بالإيمان في الموضعين ليدل على أنه و{[10240]}إن كان دنيا موضع التفضيل{[10241]} لعلو وصفه ، وأثبت الوصف بالشرك في الموضعين مقتصراً عليه لأنه موضع التحقير وإن علا في العرف موصوفه .

ولما كانت مخالطة أهل الشرك مظنة الفساد الذي ربما أدى إلى التهاون بالدين فربما دعا الزوج زوجته{[10242]} إلى الكفر فقاده{[10243]} الميل إلى اتباعه قال منبهاً على ذلك ومعللاً لهذا الحكم : { أولئك{[10244]} } أي الذين هم أهل للبعد{[10245]} من كل خير { يدعون إلى النار } أي الأفعال المؤدية إليها ولا بد{[10246]} فربما أدى{[10247]} الحب الزوج{[10248]} المسلم إلى الكفر ولا عبرة باحتمال ترك الكافر للكفر وإسلامه موافقة للزوج المسلم لأن درء المفاسد مقدم ؛ وسيأتي في المائدة عند قوله تعالى :{ ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله{[10249]} }[ المائدة : 5 ] لذلك مزيد بيان .

ولما رهب{[10250]} من أهل الشرك حثاً على البغض فيه رغب في الإقبال إليه سبحانه وتعالى بالإقبال على أوليائه بالحب فيه وبغير ذلك فقال : { والله } أي بعز جلاله وعظمة كماله { يدعوا } أي بما يأمر به { إلى الجنة } أي الأفعال المؤدية إليها . ولما كان ربما لا يوصل إلى الجنة إلا بعد القصاص قال : { والمغفرة } أي إلى أن يفعلوا ما يؤدي إلى أن يغفر لهم ويهذب{[10251]} نفوسهم بحيث يصيرون إلى حالة سنية يغفرون فيها للناس ما أتوا إليهم . ولما كان الدعاء قد يكون بالحمل على الشيء وقد يكون بالبيان بحيث يصير المدعو إليه متهيئاً للوصول إليه قال : { بإذنه } أي بتمكينه من ذلك لمن يريد سعادته { ويبين آياته } في ذلك وفي غيره { للناس } كافة من أراد سعادته وغيره { لعلهم يتذكرون * } أي ليكونوا على{[10252]} حالة{[10253]} يظهر لهم بها{[10254]} بما خلق لهم ربهم من الفهم وما طبع في{[10255]} أنفسهم من الغرائز حسن ما دعاهم إليه وقبح ما نهاهم عنه {[10256]}غاية الظهور بما أفهمه الإظهار{[10257]} .


[10204]:سقط من م ومد وظ.
[10205]:في م وظ ومد: أخطر.
[10206]:زيد في ظ: الله .
[10207]:في م: أمهل.
[10208]:في مد: التقدير.
[10209]:سقط من ظ.
[10210]:في ظ: فأنطحوا.
[10211]:في ظ: تكونه.
[10212]:قال ابن عباس: نزلت في عبد الله بن رواحة أعتق أمة وتزوجها وكانت مسلمة، فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا: نكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين رغبة في أحسابهم فنزلت...ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر تعالى حكم اليتامى في المخالطة وكانت تقتضي المناكحة وغيرها مما يسمى مخالطة حتى أن يعضهم فسرها بالمصاهرة فقط ورجح ذلك كما تقدم ذكره وكان من اليتامى من يكون من أولاد الكفار نهى الله تعالى عن مناكحة المشركات والمشركين وأشار إلى العلة المسوغة للنكاح وهي الأخوة الدينية فنهى عن نكاح من لم تكن فيه هذه الأخوة واندرج يتامى الكفار في عموم من أشرك ومناسبة أخرى أنه لما تقدم حكم الشرب في الخمر والأكل في الميسر وذكر حكم المنكح فكما حرم الخمر من المشروبات وما يجر إليه الميسر من المأكولات حرم المشركات من المنكوحات – البحر المحيط 2 / 163.
[10213]:في ظ: ما.
[10214]:العبارة من هنا إلى "أهل اللغة" ليست في ظ.
[10215]:ليس في م.
[10216]:في مد: هو.
[10217]:سورة 2 آية 230.
[10218]:"والمشركات" هنا الكافرات فتدخل الكتابيات ومن جعل مع الله إلاها آخر، وقيل: لا تدخل الكتابيات، والصحيح دخولهن لعبادة اليهود عزيرا والنصارى عيسى ولقوله سبحانه وتعالى: "عما يشركون" وهذا القول الثاني هو قول جل المفسرين، وقيل المراد مشركات العرب – قاله قتادة – البحر المحيط 2 / 163.
[10219]:العبارة من هنا إلى "من قبلكم" ساقطة من ظ.
[10220]:من م ومد، وفي الأصل: ما.
[10221]:زيد من م ومد، وقد سقط من الأصل.
[10222]:سورة 5 آية 5.
[10223]:ليست في ظ وفي البحر المحيط 2 / 164 قيل: وفي هذه الآية دليل لجواز نكاح القادر على طول الحرة المسلمة للأمة المسلمة، ووجه الاستدلال أن قوله: "خير من مشركة" معناه من حرة مشركة، وواجد طول الحرة المشركة واجد لطول الحرة المسلمة لأنه لا يتفاوت الطولان بالنسبة إلى الإيمان والكفر فقدر المال المحتاج إليه في أهبة نكاحها سواء، فيلزم من هذا أن واجد طول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة المسلمة وهذا استدلال لطيف..
[10224]:عبارة ظ من هنا إلى "الباقية" كما يلي: حرة كانت أو رقيقة.
[10225]:في مد: امر.
[10226]:في الأصل: أي، والتصحيح من بقية الأصول.
[10227]:في ظ ومد: على كل حال.
[10228]:العبارة من هنا إلى "الفانية" ليست في ظ.
[10229]:في الأصل: بجمالها، والتصحيح من م ومد..
[10230]:زيد ما بين الحاجزين من م وظ ومد.
[10231]:زيدت من م ومد وظ وفي البحر المحيط 2 / 165: 'لو' هذه بمعنى إن الشرطية نحو ردوا السائل ولو بظلف شاة محرق، والواو في "لو" للعطف على حال محذوفة التقدير : خير من مشركة على كل حال ولو في هذه الحال، وقد ذكرنا أن هذا يكون لاستقصاء الأحوال وأن ما بعد لو هذه إنما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه ما فالإعجاب مناف لحكم الخيرية ومقتض جواز النكاح لرغبة الناكح فيها وأسند الإعجاب إلى ذات المشركة ولم يبين ما العجب منها فالمراد مطلق الإعجاب إما لجمال أو شرف أو مال أو غير ذلك مما يقع به الإعجاب والمعنى ان المشركة وإن كانت فائقة في الجمال والمال والنسب فالأمة المؤمنة خير منها لأن ما فاقت به المشركة يتعلق بالدنيا والإيمان يتعلق بالآخرة، والآخرة خير من الدنيا، فبالتوافق في الدين تكمل المحبة ومنافع الدنيا من الصحبة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد وبالتباين في الدين لا تحصل المحبة وشيء من منافع الدنيا.
[10232]:في ظ: رجل.
[10233]:زيد في ظ: حرا كان أو رقيقا.
[10234]:في ظ: بكل حال.
[10235]:العبارة من هنا إلى "موصوفه" ساقطة من ظ.
[10236]:من م، وفي مد: يترك، وفي الأصل: مشترك – كذا.
[10237]:في م: ما.
[10238]:في مد: حقيرا.
[10239]:في مد: لذلك.
[10240]:ليس في م.
[10241]:في م: التفصيل – كذا بالصاد المهملة.
[10242]:من ظ، وفي بقية الأصول: زوجه.
[10243]:زيد في الأصل "إلى" ولم تكن الزيادة في م وظ ومد فحذفناها.
[10244]:وفي هذه الآية تنبيه على العلة المانعة من المناكحة في الكفار لما هم عليه من الالتباس بالمحرمات من الخمر والخنزير والانغماس في القاذورات وتربية النسل وسرقة الطباع من طباعهم وغير ذلك مما لا تعادل فيه شهوة النكاح في بعض ما هم عليه وإذا نظر إلى هذه العلة فهي موجودة في كل كافر وكافرة فتقتضي المنع من المناكحة مطلقا – البحر المحيط 2 / 165.
[10245]:في الأصل: للعبد، والتصحيح من م ومد وظ.
[10246]:العبارة من هنا إلى "مقدم" ساقطة من ظ.
[10247]:في م: حب للزوج.
[10248]:في م: حب للزوج.
[10249]:سورة 5 آية 5.
[10250]:من م وظ ومد وفي الأصل: رغب – كذا.
[10251]:في م: يذهب.
[10252]:زيد في ظ: كل.
[10253]:في ظ: حال.
[10254]:زيد في م: التذكر.
[10255]:في م: من.
[10256]:ساقطة من ظ.
[10257]:سقاطة من ظ.