تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَۚ فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (44)

وأرسلنا إليهم رسلا متتابعة ، لعلهم يؤمنون وينيبون ، فلم يزل الكفر والتكذيب دأب الأمم العصاة ، والكفرة البغاة ، كلما جاء أمة رسولها كذبوه ، مع أن كل رسول يأتي من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم ، يدل على حقيه ما جاءوا به ، { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا } بالهلاك ، فلم يبق منهم باقية ، وتعطلت مساكنهم من بعدهم { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } يتحدث بهم من بعدهم ، ويكونون عبرة للمتقين ، ونكالا للمكذبين ، وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم . { فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ما أشقاهم " وتعسا لهم ، ما أخسر صفقتهم " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَۚ فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (44)

23

ويمضي السياق بعد ذلك في استعراض القرون :

ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين . ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون . ثم أرسلنا رسلنا تترى . كلما جاء أمة رسولها كذبوه . فاتبعنا بعضهم بعضا ، وجعلناهم أحاديث . فبعدا لقوم لا يؤمنون . .

هكذا في إجمال ، يلخص تاريخ الدعوة ، ويقرر سنة الله الجارية ، في الأمد الطويل بين نوح وهود في أول السلسلة ، وموسى وعيسى في أواخرها . . كل قرن يستوفي أجله ويمضي : ( ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ) . وكلهم يكذبون : ( كلما جاء أمة رسولها كذبوه ) . وكلما كذب المكذبون أخذتهم سنة الله : ( فأتبعنا بعضهم بعضا ) . وبقيت العبرة ماثلة في مصارعهم لمن يعتبرون : ( وجعلناهم أحاديث )تتناقلها القرون .

ويختم هذا الاستعراض الخاطف المجمل باللعنة والطرد والاستبعاد من العيون والقلوب : ( فبعدا لقوم لا يؤمنون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَۚ فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (44)

{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى } : قال ابن عباس : يعني يتبع بعضهم بعضًا . وهذه كقوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } [ النحل : 36 ] ، وقوله : { كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ } يعني : جمهورهم وأكثرهم ، كقوله تعالى : { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] .

وقوله : { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا } أي : أهلكناهم ، كقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] . { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي : أخبارًا وأحاديث للناس ، كقوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } [ الآية ]{[20544]} [ سبأ : 19 ] [ { فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } ] {[20545]} .


[20544]:- زيادة من ف. وفي هـ : (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون).
[20545]:- زيادة من ف.