فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَۚ فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (44)

{ تترى } متتابعين .

{ أحاديث } يحدث بهم على سبيل التعجب والتلهي ؛ وأكثر ما يكون ذلك في الشر .

{ فبعدا } أبعدهم الله من رحمته

{ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ { 42 ) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ { 43 ) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ { 44 ) }

{ قرونا } أهل قرون وأزمان ، وكل جماعة عاشوا مقترنين في زمن فهم قرن .

ثم أوجدنا وخلقنا بعد المهلكين من قوم نوح والذين من بعدهم أهل قرون غيرهم ، أهل أزمان وفترات ، وفي كل فترة وإلى كل أمة كنا نرسل رسولا ؛ وصدق الله العظيم : { . . وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ){[2324]} ؛ { . . وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ){[2325]} ؛ { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ){[2326]} ما يتقدمون على الموعد الذي قضى الله أن يهلكهم فيه ، ولا يتأخرون عنه قليلا ولا كثيرا ؛ ولكل قوم نبيهم ، ليكون عالما بأحوالهم ، وبلسانهم ليبين لهم ؛ ولكن قليلا من المنذرين يؤمنون ، وأكثرهم يكذبون . وأولئك هم المهلكون ، ويرون النذر فيمن تقدموا فلا يعتبرون ، فيبطش الله القوي الجبار بهم ليكونوا مثلا ومزدجرا لمن بعدهم يجيئون ، هذا عذابهم العاجل ، ويوم القيامة لا ينصرون ، لأنهم من رحمة الله تعالى مبعدون .

{ قرونا آخرين } هم عند أكثر المفسرين قوم صالح ، وقوم لوط ، وقوم شعيب وغير ذلك . . . { ثم أرسلنا رسلنا . . } عطف على { أنشأنا } لكن لا معنى أن إرسالهم متراخ عن إنشاء القرون المذكورة جميعا ، بل على معنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إرسال قرن مخصوص بذلك الرسول ، كأنه قيل : ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين قد أرسلنا إلى كل فريق منهم رسولا خاصا به . . . وفي الصحاح : المواترة المتابعة ، ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينهما فترة . . {[2327]} .

نقل النيسابوري : ولا يستأصلهم إلا إذا علم منهم أنهم لا يزدادون إلا عنادا ، وأنهم لا يلدون مؤمنا ، وأنه لا نفع في بقائهم لغيرهم ، ولا ضرر على أحد في هلاكهم . اه .

ومما أورد الطبري : . . ولا يستأخر هلاكها عن الأجل الذي أجلنا لهلاكها ، والوقت الذي وقتنا لفنائها ، ولكنها تهلك لمجيئه ؛ وهذا وعيد من الله لمشركي قوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإعلام منه لهم أن تأخره في آجالهم مع كفرهم به وتكذيبهم رسوله ليبلغوا الأجل الذي أجل لهم ، فيحل بهم نقمته كسنته فيمن قبلهم من الأمم السالفة


[2324]:سورة فاطر. من الآية 24.
[2325]:سورة غافر. من الآية 5.
[2326]:سورة الأعراف. الآية 34
[2327]:ما بين العارضتين مما أورد الألوسي.