ثم بين سبحانه أن رسله كانوا بعد هذه القرون متواترين ، وأن شأن أممهم كان واحداً في التكذيب لهم فقال : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تترا } والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها بمعنى : أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذي أرسل إليه ، لا على معنى أنّ إرسال الرسل جميعاً متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعاً ، ومعنى { تتراً } : تتواتر واحداً بعد واحد ويتبع بعضهم بعضاً ، من الوتر وهو الفرد . قال الأصمعي : واترت كتبي عليه : أتبعت بعضها بعضاً إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة . وقال غيره : المتواترة المتتابعة بغير مهلة . قرأ ابن كثير ، وابن عمرو «تترا » بالتنوين على أنه مصدر . قال النحاس : وعلى هذا يجوز «تترى » بكسر التاء الأولى ؛ لأن معنى { ثم أرسلنا } : واترنا ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ، أي متواترين { كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ } هذه الجملة مستأنفة مبينة لمجيء كل رسول لأمته على أن المراد بالمجيء : التبليغ { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } أي في الهلاك بما نزل بهم من العذاب { وجعلناهم أَحَادِيثَ } الأحاديث جمع أحدوثة ، وهي ما يتحدّث به الناس كالأعاجيب جمع أعجوبة ، وهي ما يتعجب الناس منه . قال الأخفش : إنما يقال جعلناهم أحاديث في الشرّ ، ولا يقال في الخير ، كما يقال : صار فلان حديثاً ، أي عبرة ، وكما قال سبحانه في آية أخرى : { فجعلناهم أَحَادِيثَ ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ } [ سبأ : 19 ] . قلت : وهذه الكلية غير مسلمة فقد يقال : صار فلان حديثاً حسناً ، ومنه قول ابن دريد في مقصورته :
وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثاً حسناً لمن روى
{ فَبُعْداً لقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } وصفهم هنا بعدم الإيمان ، وفيما سبق قريباً بالظلم لكون كل من الوصفين صادراً عن كل طائفة من الطائفتين ، أو لكون هؤلاء لم يقع منهم إلا مجرّد عدم التصديق ، وأولئك ضموا إليه تلك الأقوال الشنيعة التي هي من أشد الظلم وأفظعه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.