وقال مثبتا لكمال عقله ورزانته { سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا } وسيأتي نصه { فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أي استأخر غير بعيد { فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } إليك وما يتراجعون به
فذهب به فألقاه عليها فقالت لقومها { إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } أي جليل المقدار من أكبر ملوك الأرض
ثم بينت مضمونه فقالت { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي : لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت سلطاني ، وانقادوا لأوامري وأقبلوا إلي مسلمين .
وهذا في غاية الوجازة مع البيان التام فإنه تضمن نهيهم عن العلو عليه ، والبقاء على حالهم التي هم عليها والانقياد لأمره والدخول تحت طاعته ، ومجيئهم إليه ودعوتهم إلى الإسلام ، وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة وتقديم الاسم في أول عنوان الكتاب ،
ولا يتسرع سليمان في تصديقه أو تكذيبه ؛ ولا يستخفه النبأ العظيم الذي جاءه به . إنما يأخذ في تجربته ، للتأكد من صحته . شأن النبي العادل والملك الحازم :
( قال : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تول عنهم ، فانظر ماذا يرجعون ) .
ولا يعلن في هذا الموقف فحوى الكتاب ، فيظل ما فيه مغلقا كالكتاب نفسه ، حتى يفتح ويعلن هناك . وتعرض المفاجأة الفنية في موعدها المناسب !
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} يعني: إلى أهل سبأ {ثم تول} يقول: ثم انصرف {عنهم فانظر ماذا يرجعون}، الجواب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"اذْهَبْ بكِتابِي هذَا فأَلْقْهِ إِلَيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ".
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: معناه: اذهب بكتابي هذا، فألقه إليهم، فانظر ماذا يَرْجِعون، ثم تولّ عنهم منصرفا إليّ، فقال: هو من المؤخّر الذي معناه التقديم... فهذا القول من قول ابن زيد يدلّ على أن الهدهد تولى إلى سليمان راجعا، بعد إلقائه الكتاب، وأن نظره إلى المرأة ما الذي ترجع وتفعل كان قبل إلقائه كتاب سليمان إليها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثم تولّ عنهم، فكن قريبا منهم، وانظر ماذا يرجعون، قالوا: وفعل الهدهد، وسمع مراجعة المرأة أهل مملكتها، وقولها لهم: "إنّي أُلْقِيَ إليّ كِتابٌ كَرِيمٌ، إنّهُ مِنْ سُلَيْمانَ، وَإنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ... "وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضا... وهذا القول أشبه بتأويل الآية، لأن مراجعة المرأة قومها، كانت بعد أن ألقي إليها الكتاب، ولم يكن الهدهد لينصرف وقد أُمر بأن ينظر إلى مراجعة القوم بينهم ما يتراجعونه قبل أن يفعل ما أمره به سليمان.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} لا يحتمل أن يكون سليمان أمر الهدهد بالذهاب بالكتاب إليها، ويوليه تبليغ ذلك إليها، وهو أعظم من خبره الذي أخبره بذلك [إلا] بعد ما وقف في خبره قبل أن يتبين، ويظهر له صدقه في خبره. فدلت توليته إياه تبليغ الكتاب إليها أنه قد ظهر له صدقه في ما أخبره من أمر تلك المرأة إما بوحي من الله تعالى إليه، وإما بما انتهى إليه من الخبر ما قدم عليم بذلك علم يقين وإحاطة. فعند ذلك ولاّه تبليغ الكتاب إليها حين قال له: {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون}. وقوله تعالى: {تول عنهم فانظر ماذا يرجعون} يحتمل وجهين: أحدهما: ألق الكتاب إليهم، ثم تول عنهم، فانظر ماذا يقولون؟. وماذا يرددون في ما بينهم من الكلام والجواب؟ والثاني: على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: ألق الكتاب إليهم، فانظر ماذا يرجعون من الجواب ثم تول عنهم، أي أعرض عنهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{تَوَلَّ عَنْهُمْ} تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه، ليكون ما يقولونه بمسمع منك...فإن قلت: لم قال: فألقه إليهم، على لفظ الجمع؟ قلت: لأنه قال: وجدتها وقومها يسجدون للشمس، فقال: فألقه إلى الذين هذا دينهم، اهتماماً منه بأمر الدين، واشتغالاً به عن غيره. وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم شرع فيما يختبره به، فكتب له كتاباً على الفور في غاية الوجازة قصداً للإسراع في إزالة المنكر على تقدير صدق الهدهد بحسب الاستطاعة، ودل على إسراعه في كتابته بقوله جواباً له: {اذهب بكتابي هذا} قول من كان مهيئاً عنده ودفعه إليه.
ولما كان عليه السلام قد زاد قلقه بسجودهم لغير الله، أمره بغاية الإسراع، وكأنه كان أسرع الطير طيراناً وأمده الله زيادة على ذلك بمعونة منه إكراماً لنبيه صلى الله عليه وسلم فصار كأنه البرق، فأشار إلى ذلك بالفاء في قوله: {فألقه} ولما لم يخصها في الكتاب دونهم بكلام لتصغر إليهم أنفسهم بخطابه مع ما يدلهم على عظمته، جمع فقال: {إليهم} أي الذين ذكرت أنهم يعبدون الشمس، وذلك للاهتمام بأمر الدين.
ولما كان لو تأخر عنهم بعد إلقائه إلى موضع يأمن فيه على نفسه على ما هو فيه من السرعة لداخلهم شك في أنه هو الملقى له، أمره بأن يمكث بعد إلقائه يرفرف على رؤوسهم حتى يتحققوا أمره، فأشار سبحانه إلى ذلك بأداة التراخي بقوله، {ثم} أي بعد وصولك وإلقائك {تول} أي تنح {عنهم} إلى مكان تسمع فيه كلامهم ولا يصلون معه إليك {فانظر} عقب توليك {ماذا يرجعون} أي من القول من بعضهم إلى بعض بسبب الكتاب.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولا يعلن في هذا الموقف فحوى الكتاب، فيظل ما فيه مغلقا كالكتاب نفسه، حتى يفتح ويعلن هناك. وتعرض المفاجأة الفنية في موعدها المناسب!
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.