{ 59 ْ } { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ْ }
وهو إنزال المني يقظة أو مناما ، { فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ْ } أي : في سائر الأوقات ، والذين من قبلهم ، هم الذين ذكرهم الله بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ْ } الآية .
{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ ْ } ويوضحها ، ويفصل أحكامها { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ }
وفي هاتين الآيتين فوائد ، منها : أن السيد وولي الصغير ، مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد ، العلم والآداب الشرعية ، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ْ } الآية ، ولا يمكن ذلك ، إلا بالتعليم والتأديب ، ولقوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ْ }
ومنها : الأمر بحفظ العورات ، والاحتياط لذلك من كل وجه ، وأن المحل والمكان ، الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه ، أنه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء ، ونحو ذلك .
ومنها : جواز كشف العورة لحاجة ، كالحاجة عند النوم ، وعند البول والغائط ، ونحو ذلك .
ومنها : أن المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط النهار ، كما اعتادوا نوم الليل ، لأن الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة .
ومنها : أن الصغير الذي دون البلوغ ، لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة ، ولا يجوز أن ترى عورته ، لأن الله لم يأمر باستئذانهم ، إلا عن أمر ما يجوز .
ومنها : أن المملوك أيضا ، لا يجوز أن يرى عورة سيده ، كما أن سيده لا يجوز أن يرى عورته ، كما ذكرنا في الصغير .
ومنها : أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم ، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي ، أن يقرن بالحكم ، بيان مأخذه ووجهه ، ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل ، لأن الله - لما بين الحكم المذكور- علله بقوله : { ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ْ }
ومنها : أن الصغير والعبد ، مخاطبان ، كما أن وليهما مخاطب لقوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ْ }
ومنها : أن ريق الصبي طاهر ، ولو كان بعد نجاسة ، كالقيء ، لقوله تعالى : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ْ } مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهرة : " إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات "
ومنها : جواز استخدام الإنسان من تحت يده ، من الأطفال على وجه معتاد ، لا يشق على الطفل لقوله : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ْ }
ومنها : أن الحكم المذكور المفصل ، إنما هو لما دون البلوغ ، فأما ما بعد البلوغ ، فليس إلا الاستئذان .
ومنها : أن البلوغ يحصل بالإنزال فكل حكم شرعي رتب على البلوغ ، حصل بالإنزال ، وهذا مجمع عليه ، وإنما الخلاف ، هل يحصل البلوغ بالسن ، أو الإنبات للعانة ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : إذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربائكم ويعني بقوله : مِنْكُمْ من أحراركم الحُلُمَ يعني الاحتلام واحتلموا . فَلْيَسْتأْذِنُوا يقول : فلا يدخلوا عليكم في وقت من الأوقات إلاّ بإذن ، لا في أوقات العَورات الثلاث ولا في غيرها . وقوله : كمَا اسْتَأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول : كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقربائه الأحرار . وخصّ الله تعالى ذكره في هذه الآية الأطفال بالذكر وتعريف حكمهم عباده في الاستئذان دون ذكر ما ملكت أيماننا ، وقد تقدّمت الآية التي قبلها بتعريفهم حكم الأطفال الأحرار والمماليك لأن حكم ما ملكت أيماننا من ذلك حكم واحد ، سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم في أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث التي ذكرها الله في الآية التي قبل .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : أما من بلغ الحُلُم ، فإنه لا يدخل على الرجل وأهله يعني من الصبيان الأحرار إلا بإذن على كل حال وهو قوله : وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتأْذِنُوا كمَا اسْتأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء : وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَستأْذِنُوا قال : واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا ، على مَنْ كان مِنَ الناس .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، قال : يستأذن الرجل على أمه . قال : إنما نزلت : وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ في ذلك . كَذلكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ يقول : هكذا يبين الله لكم آياته ، أحكامه وشرائع دينه ، كما بين لكم أمر هؤلاء الأطفال في الاستئذان بعد البلوغ . وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يقول : والله عليم بما يصلح خلقه وغير ذلك من الأشياء ، حكيم في تدبيره خلقه .
وقع قوله : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } في موقع التصريح بمفهوم الصفة في قوله : { والذين لم يبلغوا الحلم } ليعلم أن الأطفال إذا بلغوا الحلم تغير حكمهم في الاستئذان إلى حكم استئذان الرجال الذي في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } [ النور : 27 ] الآيات ، فالمراد بقوله : { الذين من قبلهم } فيما ذكر من الآية السابقة أو الذين كانوا يستأذنون من قبلهم وهم كانوا رجالاً قبل أن يبلغ أولئك الأطفال مبلغ الرجال .
وقوله : { كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم } القول فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفاً ، وهو تأكيد له بالتكرير لمزيد الاهتمام والامتنان . وإنما أضيفت الآيات هنا لضمير الجلالة تفنناً ولتقوية تأكيد معنى كمال التبيين الحاصل من قوله : { كذلك } . وتأكيد معنى الوصفين « العليم الحكيم » . أي هي آيات من لدن مَن هذه صفاته ومَن تلك صفات بيانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.