تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

{ 14-19 }{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } .

يخبر تعالى عن شناعة حال المنافقين الذين يتولون الكافرين ، من اليهود والنصارى وغيرهم ممن غضب الله عليهم ، ونالوا من لعنة الله أوفى نصيب ، وأنهم ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين ، { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } ، فليسوا مؤمنين ظاهرا وباطنا لأن باطنهم مع الكفار ، ولا مع الكفار ظاهرا وباطنا ، لأن ظاهرهم مع المؤمنين ، وهذا وصفهم الذي نعتهم الله به ، والحال أنهم يحلفون على ضده الذي هو الكذب ، فيحلفون أنهم مؤمنون ، وهم يعلمون{[1019]}  أنهم ليسوا مؤمنين .


[1019]:- في ب: والحال.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

ثم يعود السياق إلى المنافقين الذين يتولون اليهود ، فيصور بعض أحوالهم ومواقفهم ، ويتوعدهم بافتضاح أمرهم ، وسوء مصيرهم ، وانتصار الدعوة الإسلامية وأصحابها على الرغم من كل تدبيراتهم :

ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ? ما هم منكم ولا منهم ، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون . أعد الله لهم عذابا شديدا ، إنهم ساء ما كانوا يعملون . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ، فلهم عذاب مهين . لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا . أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء . ألا إنهم هم الكاذبون . إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، أولئك حزب الشيطان ، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون . .

وهذه الحملة القوية على المنافقين الذين يتولون قوما غضب الله عليهم - وهم اليهود - تدل على أنهم كانوا يمعنون في الكيد للمسلمين ، ويتآمرون مع ألد أعدائهم عليهم ؛ كما تدل على أن سلطة الإسلام كانت قد عظمت ، بحيث يخافها المنافقون ، فيضطرون - عندما يواجههم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والمؤمنون بما يكشفه الله من تدبيراتهم ومؤامراتهم - إلى الحلف بالكذب لإنكار ما ينسب إليهم من مؤامرات وأقوال ؛ وهم يعلمون أنهم كاذبون في هذه الأيمان .

إنما هم يتقون بأيمانهم ما يتوقعونه من مؤاخذتهم بما ينكشف من دسائسهم : اتخذوا أيمانهم جنة أي وقاية . وبذلك يستمرون في دسائسهم للصد عن سبيل الله !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ تَوَلّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِم مّا هُم مّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر بعين قلبك يا محمد ، فترى إلى القوم الذين . تولّوْا قوما غضب الله عليهم ، وهم المنافقون تولّوا اليهود وناصحوهم ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ }إلى آخر الآية ، قال : هم المنافقون تولّوا اليهود وناصحوهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة{ تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ }قال : هم اليهود تولاهم المنافقون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ } قال : هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود ، وقرأ قول الله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتابِ حتى بلغ وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّهُمْ لَكاذِبُونَ }لئن كانَ ذلكَ لا يَفْعَلُونَ وقال : هؤلاء المنافقون قالوا : لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معا لنصرتنا وعزّنا ، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة ، فقال الله عزّ وجلّ : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يأتِي بالفَتْحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حتى بلغ : فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ }وقرأ حتى بلغ : { أوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرِ }قال : لا يَبرزون .

قوله : { ما هُمْ مِنْكُمْ }يقول تعالى ذكره : ما هؤلاء الذين تولّوا هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم ، منكم يعني : من أهل دينكم وملتكم ، ولا منهم ولا هم من اليهود الذين غضب الله عليهم ، وإنما وصفهم بذلك منكم جلّ ثناؤه لأنهم منافقون إذا لقوا اليهود ، { قالوا إنّا مَعَكمْ إنّما نَحنُ مُسْتَهزئون وَإذا لَقُوا الذّين آمَنُوا قَالوَا آمَنّا } .

وقوله{ ويَحْلِفُونَ على الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }يقول تعالى ذكره : ويحلفون على الكذب ، وذلك قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { نشهد إنك لرسول الله }وهم كاذبون غير مصدّقين به ، ولا مؤمنين به ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّ المُنافِيِنَ لَكاذِبُونَ }وقد ذُكِر أن هذه الآية نزلت في رجل منهم عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر بلغه عنه ، فحلف كذبا . ذكر الخبر الذي رُوي بذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ بعَيْنِ شَيْطانٍ ، أو بعَيْنَيْ شَيْطانٍ » ، قال : فدخل رجل أزرق ، فقال له : «علامَ تسبني أو تشتمني ؟ » قال : فجعل يحلف ، قال : فنزلت هذه الآية التي في المجادلة : { وَيحْلِفُونَ على الكَذِبِ وَهَمْ يَعْلَمُونَ }والآية الأخرى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

وقوله تعالى :{ ألم تر إلى الذين تولوا }نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوماً من اليهود وهم المغضوب عليهم ، وقال الطبري :{ ما هم }يريد به المنافقين و{ منكم }يريد به المؤمنين و{ منهم } يريد به اليهود .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يجري مع قوله تعالى : { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء }{[11014]} [ النساء : 143 ] ، ومع قوله عليه الصلاة السلام : «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين ){[11015]} لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكافرين بقلبه » ، ولكن هذه الآية تحتمل تأويلاً آخر وهو أن يكون قوله { ما هم } يريد به اليهود ، وقوله : { ولا منهم } يريد به المنافقين فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن لأنهم تولوا قوماً مغضوباً عليهم ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً . وقوله { يحلفون } يعني المنافقين لأنهم كانوا إذا وقفوا على ما يأتون به من بغض النبي صلى الله عليه وسلم وشتمه وموالاة عدوه حلفوا أنهم لا يفعلون ذلك واستسهلوا الحنث ، ورويت من هذا نوازل كثيرة اختصرتها إيجازاً وإذا تتبعت في المصنفات وجدت كقول ابن أبي لئن رجعنا إلى المدينة وحلفه على أنه لم يقل وغير ذلك .


[11014]:من الآية (143) من سورة (النساء).
[11015]:أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وذكره الإمام السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة، وفيه زيادة على ما هنا (تُعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع). ومعنى العائرة: المترددة.