وقوله : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ يقول : ومن الليل فعظّم ربك يا محمد بالصلاة والعبادة ، وذلك صلاة المغرب والعشاء . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ قال : ومن الليل صلاة العشاء وَإدْبارَ النّجُومِ يعني حين تدبر النجوم للأفول عند إقبال النهار . وقيل : عُنِي بذلك ركعتا الفجر . ذكر بعض من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ قال : هما السجدتان قبل صلاة الغداة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ كنا نحدّث أنهما الركعتان عند طلوع الفجر . قال : وذُكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول : لهما أحبّ إليّ من حُمْر النّعَم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفي ، عن سعيد بن هشام عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركعتي الفجر «هُمَا خَيرٌ مِنَ الدّنيْا جَمِيعا » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَإدْبارَ النّجُومِ قال : ركعتان قبل صلاة الصبح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ وحماد بن مسعدة قالا : حدثنا حميد ، عن الحسن ، عن علي ، في قوله : وَإدْبارَ النّجُومِ قال : الركعتان قبل صلاة الصبح .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، قال : قال عليّ رضي الله عنه إدْبارَ النّجُومِ الركعتان قبل الفجر .
وقال آخرون : عنى بالتسبح إدْبارَ النّجُومِ : صلاة الصبح الفريضة . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإدْبارَ النّجُومِ قال : صلاة الغداة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإدْبارَ النّجُومِ قال : صلاة الصبح .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني بها : الصلاة المكتوبة صلاة الفجر ، وذلك أن الله أمر فقال : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ والركعتان قبل الفريضة غير واجبتين ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها ، أن قوله فسبحه على الندب ، وقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أمر الله على الفرض حتى تقوم حجة بأنه مراد به الندب ، أو غير الفرض بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
{ ومن الليل } المغرب والعشاء . { وإدبار النجوم } الصحب . ومن قال هي النوافل جعل { إدبار النجوم } : ركعتي الفجر ، وعلى هذا القول جماعة كثيرة ، منهم عمر وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن رضي الله عنهم . وقد روي مرفوعاً ومن جعله التسبيح المعروف ، جعل قوله : { حين تقوم } مثالاً ، أي حين تقوم وحين تقعد وفي كل تصرفك . وحكى منذر عن الضحاك أن المعنى : { حين تقوم } في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام فقل . «سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك ، وتعالى جدك »{[10663]} ، الحديث .
وقرأ سالم بن أبي الجعد{[10664]} ويعقوب : «وأدبار » بفتح الهمزة بمعنى : وأعقاب ، ومنه قول الشاعر [ قيس بن الملوح ] : [ الطويل ]
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر . . . مع الصبح في أعقاب نجم مغرب{[10665]}
و{ من الليل } أي زمناً هو بعض الليل ، فيشمل وقت النهي للنوم وفيه تتوارد على الإنسان ذكريات مهماته ، ويشمل وقت التهجد في الليل .
وقوله : { فسبحه } اكتفاء ، أي واحمده .
وانتصب { وإدبار النجوم } على الظرفية لأنه على تقدير : ووقت إدبار النجوم .
والإِدبار : رجوع الشيء من حيث جاء لأنه ينقلب إلى جهة الدُبر ، أي الظهر .
وإدبار النجوم : سقوط طوالعها ، فإطلاق الإِدبار هنا مجاز في المفارقة والمزايلة ، أي عند احتجاب النجوم . وفي الحديث : " إذا أقبل الليل من ههنا ( الإِشارة إلى المشرق ) وأدْبر النهار من ههنا ( الإِشارة إلى جهة المغرب ) فقد أفطر الصائم " . وسقوط طوالعها التي تطلع : أنها تسقط في جهة المغرب عند الفجر إذا أضاء عليها ابتداء ظهور شعاع الشمس ، فإدبار النجوم : وقت السحر ، وهو وقت يستوفي فيه الإِنسان حظه من النوم ، ويبقى فيه ميل إلى استصحاب الدَّعَة ، فأمر بالتسبيح فيه ليفصل بين النوم المحتاج إليه وبين التناوم الناشىء عن التكاسل ، ثم إن وجد في نفسه بعد التسبيح حاجة إلى غفوة من النوم اضطجع قليلاً إلى أن يحين وقت صلاة الصبح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع بعد صلاة الفجر حتى يأتيه المؤذن بصلاة الصبح .
والنجوم : جمع نجم وهو الكوكب الذي يضيء في الليل غير القمر ، وتقدم عند قوله تعالى : { وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم } في سورة النحل ( 12 ) .
والآية تشير إلى أوقات الرغائب من النوافل وهي صلاة الفجر والأشفاع بعد العشاء وقيام آخر الليل . وقيل : إشارت إلى الصلوات الخمس بوجه الإِجمال وبيّنتهُ السنة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ومن الليل فسبحه} يعني فصل المغرب والعشاء {و} صل {وإدبار النجوم} يعني الركعتين قبل صلاة الغداة وقتهما بعد طلوع الفجر. قوله: {وسبح بحمد ربك} يقول: اذكره بأمره، مثل قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء:44]، ومثل قوله: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} [الإسراء:52]...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ "يقول: ومن الليل فعظّم ربك يا محمد بالصلاة والعبادة، وذلك صلاة المغرب والعشاء. وكان ابن زيد يقول في ذلك:.. ومن الليل صلاة العشاء "وَإدْبارَ النّجُومِ" يعني حين تدبر النجوم للأفول عند إقبال النهار. وقيل: عُنِي بذلك ركعتا الفجر...
وقال آخرون: عنى بالتسبيح إدْبارَ النّجُومِ: صلاة الصبح الفريضة...
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بها: الصلاة المكتوبة صلاة الفجر، وذلك أن الله أمر فقال: "وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ" والركعتان قبل الفريضة غير واجبتين، ولم تقم حجة يجب التسليم لها، أن قوله فسبحه على الندب، وقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أمر الله على الفرض حتى تقوم حجة بأنه مراد به الندب، أو غير الفرض بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ومن الليل فسبّحه} أي سبّح بالليل في وقت الراحة، فيصير كأنه قال: وسبّح بحمد ربك في الأوقات كلها بالليل والنهار في وقت الراحة وفي وقت الانتشار...
جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :
عن علي- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قوله –عز وجل-: {ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم}، قال: (الركعتان قبل الغداة)، وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة، قال: {وإدبار النجوم}: الركعتان بعد طلوع الفجر. (س: 5/301-302)...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
وفي الآية دليل وإشارة إلى أنه أَمَرَه أَنْ يَذْكُرَه في كلَّ وقت، وألا يخلوَ وقتٌ من ذِكْره.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{ومن الليل فسبحه} فإن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد من الرياء، ولذلك أفرده بالذكر وقدمه على الفعل {وإدبار النجوم} وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ومن الليل} الذي هو محل السكون والراحة {فسبحه} كذلك بالنية والقول كلما انتبهت وبالفعل بصلاة المغرب والعشاء وصلاة الليل، ولتعظيمه صرح بذلك وقدمه على الفعل، والضمير يعود على المضاف إليه، وأشار إلى التهجد بعد دخوله فيما قبله بقوله: {وإدبار النجوم} أي وسبحه في وقت إدبارها أي إذا أدبرت، وذلك من آخر الليل في نصفه الثاني: وكلما قارب الفجر كان أعلى وبالإجابة أولى، وإلى قرب الفجر تشير قراءة الفتح جمع دابر أي في أعقابها عند خفائها أو أفولها، وذلك بصلاة الفجر سنة وفرضاً أحق وأولى لأنه وقت إدبارها حقيقة، فصارت عبادة الصبح محثوثاً عليها مرتين تشريفاً لها وتعظيماً لقدرها فإن ذلك ينجي من العذاب الواقع، وينصر على العدو الدارع، من المجاهر المدافع، والمنافق المخادع، وقد رجع آخرها على أولها، ومقطعها على موصلها، بحلول العذاب على الظالم، وبعده عن الطائع السالم -والله الموفق.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {من الليل} أي زمناً هو بعض الليل، فيشمل وقت النهي للنوم وفيه تتوارد على الإنسان ذكريات مهماته، ويشمل وقت التهجد في الليل...
فإدبار النجوم: وقت السحر، وهو وقت يستوفي فيه الإِنسان حظه من النوم، ويبقى فيه ميل إلى استصحاب الدَّعَة، فأمر بالتسبيح فيه ليفصل بين النوم المحتاج إليه وبين التناوم الناشئ عن التكاسل، ثم إن وجد في نفسه بعد التسبيح حاجة إلى غفوة من النوم اضطجع قليلاً إلى أن يحين وقت صلاة الصبح، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع بعد صلاة الفجر حتى يأتيه المؤذن بصلاة الصبح. والنجوم: جمع نجم وهو الكوكب الذي يضيء في الليل غير القمر...
. والآية تشير إلى أوقات الرغائب من النوافل وهي صلاة الفجر والأشفاع بعد العشاء وقيام آخر الليل. وقيل: إشارة إلى الصلوات الخمس بوجه الإِجمال وبيّنتهُ السنة...