{ 89 } { قَالَ } الله تعالى { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } هذا دليل على أن موسى ، [ كان ] يدعو ، وهارون يؤمن على دعائه ، وأن الذي يؤمن ، يكون شريكا للداعي في ذلك الدعاء .
{ فَاسْتَقِيمَا } على دينكما ، واستمرا على دعوتكما ، { وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } أي : لا تتبعان سبيل الجهال الضلال ، المنحرفين عن الصراط المستقيم ، المتبعين لطرق الجحيم ، فأمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل ليلاً ، وأخبره أنهم يتبعون ، وأرسل فرعون في المدائن حاشرين يقولون : { إِنَّ هَؤُلَاءِ } أي : موسى وقومه : { لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ }
فجمع جنوده ، قاصيهم ودانيهم ، فأتبعهم بجنوده ، بغيًا وعدوًا أي : خروجهم باغين على موسى وقومه ، ومعتدين في الأرض ، وإذا اشتد البغي ، واستحكم الذنب ، فانتظر العقوبة .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتّبِعَآنّ سَبِيلَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } .
وهذا خبر من الله عن إجابته لموسى صلى الله عليه وسلم وهارون دعاءهما على فرعون وأشراف قومه وأموالهم . يقول جلّ ثناؤه : قَالَ الله لهما قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما في فرعون وملئه وأموالهم .
فإن قائل قائل : وكيف نسبت الإجابة إلى اثنين والدعاء إنما كان من واحد ؟ قيل : إن الداعي وإن كان واحدا فإن الثاني كان مؤمنا وهو هارون ، فلذلك نسبت الإجابة إليهما ، لأن المؤمّن داعٍ . وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن رجل ، عن عكرمة في قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : كان موسى يدعوا وهارون يؤمّن ، فذلك قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما .
وقد زعم بعض أهل العربية أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين ، وأنشد في ذلك :
فَقُلْتُ لِصَاحِبي لا تُعْجِلانا *** بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزّ شِيحَا
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زكريا بن عديّ ، عن ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح قال : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : دعا موسى ، وأمّن هارُون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وزيد بن حباب ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، قال : دعا موسى ، وأمّن هارون .
قال : حدثنا أبو معاوية ، عن شيخ له ، عن محمد بن كعب ، قال : دعا موسى ، وأمّن هارون .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : دعا موسى ، وأمّن هارون .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، وعبد الله بن أبي جعفر ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، قال : دعا موسى وأمّن هارون ، فذلك قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن عكرمة في قوله : قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمّن ، فذلك قوله قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما لموسى وهارون . قال ابن جريج : قال عكرمة : أمّن هارون على دعاء موسى ، فقال الله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فاسْتَقِيما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان هارون يقول : آمين ، فقال الله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فصار التأمين دعوة صار شريكه فيها .
وأما قوله : فاسْتَقِيما فإنه أمر من الله تعالى لموسى وهارون بالاستقامة والثبات على أمرها من دعاء فرعون وقومه إلى الإجابة إلى توحيد الله وطاعته ، إلى أن يأتيهم عقاب الله الذي أخبرهما أنه أجابهما فيه . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : فاسْتَقِيما : فامضيا لأمري ، وهي الاستقامة .
قال ابن جريج يقولون : إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة .
وقوله : وَلا تَتّبِعانِ سَبِيلَ الّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يقول : ولا تسلكان طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فتستعجلان قضائي ، فإن وعدي لا خالف له ، وإن وعيدي نازل بفرعون وعذابي واقع به وبقومه .
{ قال قد أجيبت دعوتكما } يعني موسى وهارون لأنه كان يؤمن . { فاستقيما } فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ، ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته . روي : أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة . { ولا تتّبعان سبيل الذين لا يعلمون } طريق الجلهة في الاستعجال أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله تعالى ، وعن ابن عامر برواية ابن ذكوان ولا تتبعان بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين ، { ولا تتبعان } من تبع { ولا تتبعان } أيضا .
وقوله { فاستقيما } أي على ما أمرتما به من الدعاء إلى الله ، وأمر بالاستقامة وهما على الإدامة والتمادي ، وقرأ نافع والناس «تتّبعانّ » بشد التاء والنون على النهي ، وقرأ ابن عامر وابن ذكوان «تتبعانّ » بتخفيف التاء وشد النون ، وقرأ ابن ذكوان أيضاً : «تتّبعانِ » بشد التاء وتخفيف النون وكسرها ، وقرأت فرقة «تَتبعانْ » بتخفيفها وسكون النون رواه الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر ، فأما شد النون فهي النون الثقيلة حذفت معها نون التثنية للجزم كما تحذف معها الضمة في لتفعلنّ بعد ألف التثنية وأما تخفيفها فيصح أن تكون الثقيلة خففت ويصح أن تكون نون التثنية ويكون الكلام خبراً معناه الأمر ، أي لا ينبغي أن تتبعا ، قال أبو علي : إن شئت جعلته حالاً من استقيما كأنه قال غير متبعين . قال القاضي أبو محمد : والعطف يمانع في هذا فتأمله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.