ثم وصفهم بقوله : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره .
{ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي : مملوكون لله ، مدبرون تحت أمره وتصريفه ، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتلانا بشيء منها ، فقد تصرف أرحم الراحمين ، بمماليكه وأموالهم ، فلا اعتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد ، علمه ، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم ، الذي أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك ، الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده ، وإن لم يشعر بذلك ، ومع أننا مملوكون لله ، فإنا إليه راجعون يوم المعاد ، فمجاز كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده ، وإن جزعنا وسخطنا ، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر ، فكون العبد لله ، وراجع إليه ، من أقوى أسباب الصبر .
وأهم من هذا كله ، أو القاعدة لهذا كله . . الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ، وتتوارى الأوهام وهي شتى ، ويخلو القلب إلى الله وحده . لا يجد سندا إلا سنده . وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات ، وتتفتح البصيرة ، وينجلي الأفق على مد البصر . . لا شيء إلا الله . . لا قوة إلا قوته . . لا حول إلا حوله . . لا إرادة إلا إرادته . . لا ملجأ إلا إليه . . وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح . .
والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق :
( وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ) . .
إنا لله . . كلنا . . كل ما فينا . . كل كياننا وذاتيتنا . . لله . . وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير . . التسليم . . التسليم المطلق . . تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة ، وبالتصور الصحيح .
هؤلاء هم الصابرون . . الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل . .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
يعني تعالى ذكره : وبشر يا محمد الصابرين ، الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني ، فيقرّون بعبوديتي ، ويوحدونني بالربوبية ، ويصدّقون بالمعاد والرجوع إليّ فيستسلمون لقضائي ، ويرجون ثوابي ويخافون عقابي ، ويقولون عند امتحاني إياهم ببعض محني ، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها . إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون تسليما لقضائي ورضا بأحكامي .
{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لمن تتأتى منه البشارة . والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة " . وليس الصبر بالاسترجاع باللسان ، بل به وبالقلب بأن يتصور ما خلق لأجله ، وأنه راجع إلى ربه ، ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما بقي عليه أضعاف ما استرده منه فيهون على نفسه ، ويستسلم له . والمبشر به محذوف دل عليه .
ثم وصف تعالى الصابرين الذين بشرهم بقوله { الذين إذا أصابتهم مصيبة } الآية ، وجعل هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب( {[1438]} ) وعصرة( {[1439]} ) للممتحنين لما جمعت من المعاني المباركة ، وذلك توحيد الله والإقرار له بالعبودية والبعث من القبور واليقين بأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له ، وقال سعيد بن جبير : لم يعط هذه الكلمات نبي قبل نبينا ، ولو عرفها يعقوب لما قال يا أسفا على يوسف .
وروي أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال : { إنا لله وإنا إليه راجعون } ، فقيل : أمصيبة هي يا رسول الله ؟ فقال : «نعم كل ما آذى المؤمن فهي مصيبة »( {[1440]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.