تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

{ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ } أي : ليست الشفاعة ملكهم ، ولا لهم منها شيء ، وإنما هي لله تعالى { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } وقد أخبر أنه لا تنفعهم شفاعة الشافعين ، لأنهم لم يتخذوا عنده عهدا بالإيمان به وبرسله ، وإلا فمن اتخذ عنده عهدا فآمن به وبرسله واتبعهم ، فإنه ممن ارتضاه الله ، وتحصل له الشفاعة كما قال تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } وسمى الله الإيمان به واتباع رسله عهدا ، لأنه عهد في كتبه وعلى ألسنة رسله ، بالجزاء الجميل لمن اتبعهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

ولا شفاعة يومئذ إلا لمن قدم عملا صالحا فهو عهد له عند الله يستوفيه . وقد وعد الله من آمن وعمل صالحا أن يجزيه الجزاء الأوفى ، ولن يخلف الله وعدا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمََنِ عَهْداً } .

يقول تعالى ذكره : لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد ، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة ، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله ، فيشفع بعضهم لبعض إلاّ مَنِ اتّخَذَ منهم عِنْدَ الرّحْمَنِ في الدنيا عَهْدا بالإيمان به ، وتصديق رسوله ، والإقرار بما جاء به ، والعمل بما أمر به . كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : عملاً صالحا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعَةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا : أي بطاعته ، وقال في آية أخرى : لا تَنْفَعُ الشّفاعَةُ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَرَضي لَهُ قَوْلاً ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم في بعض ، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ فِي أُمّتِي رَجُلاً لَيُدْخِلَنّ اللّهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنّةَ أكْثَرَ مِنْ بني تمِيمِ » ، وكنّا نحدّث أن «الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ شفَاعَتِي لِمَنْ ماتَ مِنْ أُمّتِي لا يُشْرِكُ باللّهِ شَيْئا » .

و «مَن » في قوله : إلاّ مَنْ في موضع نصب على الاستثناء ، ولا يكون خفضا بضمير اللام ، ولكن قد يكون نصبا في الكلام في غير هذا الموضع ، وذلك كقول القائل : أردت المرور اليوم إلا العدوّ ، فإني لا أمر به ، فيستثنى العدوُ من المعنى ، وليس ذلك كذلك في قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعَةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا لأن معنى الكلام : لا يملك هؤلاء الكفار إلا من آمن بالله ، فالمؤمنون ليسوا من أعداد الكافرين ، ومن نصبه على أن معناه إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا ، فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يملكون الشفاعة للمتقين ، فيكون معنى الكلام حينئذ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ، لا يملكون الشفاعة ، إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا . فيكون معناه عند ذلك : إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا . فأما إذا جعل لا يملكون الشفاعة خبرا عن المجرمين ، فإن «من » تكون حينئذ نصبا على أنه استثناء منقطع ، فيكون معنى الكلام : لا يملكون الشفاعة ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يملكه .