تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

{ 17-18 } { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ }

لما ذكر تعالى أن حججه واضحة بينة ، بحيث استجاب لها كل من فيه خير ، ذكر أصلها وقاعدتها ، بل جميع الحجج التي أوصلها إلى العباد ، فقال : { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } فالكتاب هو هذا القرآن العظيم ، نزل بالحق ، واشتمل على الحق والصدق واليقين ، وكله آيات بينات ، وأدلة واضحات ، على جميع المطالب الإلهية والعقائد الدينية ، فجاء بأحسن المسائل وأوضح الدلائل .

وأما الميزان ، فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح ، فكل الدلائل العقلية ، من الآيات الآفاقية والنفسية ، والاعتبارات الشرعية ، والمناسبات والعلل ، والأحكام والحكم ، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده ، ليزنوا به ما اشتبه من الأمور ، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله ، مما خرج عن هذين الأمرين عن الكتاب والميزان مما قيل إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات ، فإنه باطل متناقض ، قد فسدت أصوله ، وانهدمت مبانيه وفروعه ، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها ، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها ، والفرق بين الحجج والشبه ، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة ، والألفاظ المموهة ، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد ، فإنه ليس من أهل هذا الشأن ، ولا من فرسان هذا الميدان ، فوفاقه وخلافه سيان .

ثم قال تعالى مخوفا للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها ، فقال : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ } أي : ليس بمعلوم بعدها ، ولا متى تقوم ، فهي في كل وقت متوقع وقوعها ، مخوف وجبتها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

ثم يبدأ جولة جديدة مع الحقيقة الأولى :

( الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان . وما يدريك لعل الساعة قريب . يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ، والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ، ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد . الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز . من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب ) . .

فالله أنزل الكتاب بالحق وأنزل العدل ؛ وجعله حكما فيما يختلف فيه أصحاب العقائد السالفة ، وفيما تختلف فيه آراء الناس وأهواؤهم ؛ وأقام شرائعه على العدل في الحكم . العدل الدقيق كأنه الميزان توزن به القيم ، وتوزن به الحقوق . وتوزن به الأعمال والتصرفات .

وينتقل من هذه الحقيقة . حقيقة الكتاب المنزل بالحق والعدل . إلى ذكر الساعة . والمناسبة بين هذا وهذه حاضرة ، فالساعة هي موعد الحكم العدل والقول الفصل . والساعة غيب . فمن ذا يدري إن كانت على وشك :

( وما يدريك لعل الساعة قريب ? ) . .

والناس عنها غافلون ، وهي منهم قريب ، وعندها يكون الحساب القائم على الحق والعدل ، الذي لا يهمل فيه شيء ولا يضيع . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ اللّهُ الّذِيَ أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنّهَا الْحَقّ أَلاَ إِنّ الّذِينَ يُمَارُونَ فَي السّاعَةِ لَفِي ضَلاَلَ بَعِيدٍ }

يقول تعالى ذكره : اللّهُ الّذِي أنْزَلَ هذا الكِتابَ يعني القرآن بالحَقّ والمِيزَانِ يقول : وأنزل الميزان وهو العدل ، ليقضي بين الناس بالإنصاف ، ويحكم فيهم بحكم الله الذي أمر به في كتابه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أنْزَلَ الكِتابَ بالحَقّ والمِيزَانَ قال : العدل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : الّذِي أنْزَلَ الكِتابَ بالحَقّ والمِيزَان قال : الميزان : العدل .

وقوله : وَما يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يقول تعالى ذكره : وأيّ شيء يدريك ويعلمك ، لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب ، يَسْتَعْجِلُ بِهَا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها : يقول : يستعجلك يا محمد بمجيئها الذين لا يوقنون بمجيئها ، ظناً منهم أنها غير جائية وَالّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا يقول : والذين صدّقوا بمجيئها ، ووعد الله إياهم الحشر فيها ، مشفقون منها : يقول : وَجِلون من مجيئها ، خائفون من قيامها ، لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها وَيَعْلَمُونَ أنّها الحَقّ يقول : ويوقنون أن مجيئها الحقّ اليقين ، لا يمترون في مجيئها ألاَ إنّ الّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ يقول تعالى ذكره : ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة ويجادلون فيه لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ يقول : لفي جَور عن طريق الهدى ، وزيغ عن سبيل الحقّ والرشاد ، بعيد من الصواب .