تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} (55)

{ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم فنال بذلك السعادة الدنيوية والفلاح الأخروي . { وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ } عنادًا وبغيًا وحسدًا فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض آثار معاصيهم { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } تسعر على من كفر بالله ، وجحد نبوة أنبيائه من اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفرة . ولهذا قال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} (55)

القول في تأويل قوله تعالى

{ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مّن صَدّ عَنْهُ وَكَفَىَ بِجَهَنّمَ سَعِيراً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فمن الذين أوتوا الكتاب من يهود بني إسرائيل الذين قال لهم جلّ ثناؤه : { آمِنوا بِمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فنرُدّها على أدْبارِها { مَنْ آمَنَ بِهِ } يقول : من صدّق بما أنزلنا على محمد صلى الله عليه وسلم مصدّقا لما معهم . { ومِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ } ومنهم من أعرض عن التصديق به . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } قال : بما أنزل على محمد من يهود { ومِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وفي هذه الاَية دلالة على أن الذين صدّوا عما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالي مهاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رفع عنهم وعيد الله الذي توعدهم به ، في قوله : { آمِنُوا بِمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنرُدّها على أدْبارِها أوْ نَلْعَنَهُمْ كمَا لَعَنّا أصحَابَ السّبْتِ وكانَ أمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً } في الدنا ، وأخرت عقوبتهم إلى يوم القيامة ، لإيمان من آمن منهم . وإن الوعيد لهم من الله بتعجيل العقوبة في الدنيا إنما كان على مقام جميعهم على الكفر بما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما آمن بعضهم خرجوا من الوعيد الذي توعده في عاجل الدنيا ، وأخّرت عقوبة المقيمين على التكذيب إلى الاَخرة ، فقال لهم : كفاكم بجهنم سعيرا .

ويعني قوله : { وكَفَى بِجَهَنّمَ سَعِيرا } : وحسبكم أيها المكذّبون بما أنزلت على محمد نبيي ورسولي بجهنم سعيرا ، يعني : بنار جهنم تُسَعّر عليكم : أي توقد عليكم . وقيل : { سعيرا } أصله مسعورا ، من سعرت تسعر فهي مسعورة ، كما قال الله : { وَإذَا الجَحِيمُ سُعّرَتْ } ولكنها صرفت إلى فعيل ، كما قيل : كفّ خضيب ولحية دهين ، بمعنى مخضوبة ومدهونة ، والسعير : الوقود .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} (55)

قوله : { وكفى بجهنم سعيراً } تهديد ووعيد للّذين يؤمنون بالجبت والطاغوت . وتفسير هذا التركيب تقدّم آنفاً في قوله تعالى : { وكفى بالله وليّاً } من هذه السورة [ النساء : 45 ] .