{ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعني : عيسى ، حيث نهي عن عبادة الجميع ، وشورك بينهم بالوعيد على من عبدهم ، ونزل أيضا قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }
ووجه حجتهم الظالمة ، أنهم قالوا : قد تقرر عندنا وعندك يا محمد ، أن عيسى من عباد الله المقربين ، الذين لهم العاقبة الحسنة ، فلم سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع ؟ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض .
ولم قلت : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وهذا اللفظ بزعمهم ، يعم الأصنام ، وعيسى ، فهل هذا إلا تناقض ؟ وتناقض الحجة دليل على بطلانها ، هذا أنهى ما يقررون به هذه الشبهة [ الذي ]{[778]} فرحوا بها واستبشروا ، وجعلوا يصدون ويتباشرون .
وهي -وللّه الحمد- من أضعف الشبه وأبطلها ، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح ، وبين النهي عن عبادة الأصنام ، لأن العبادة حق للّه تعالى ، لا يستحقها أحد من الخلق ، لا الملائكة المقربون ، ولا الأنبياء المرسلون ، ولا من سواهم من الخلق ، فأي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره ؟
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوَاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لّبَنِيَ إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مّلاَئِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وقال مشركو قومك يا محمد : آلهتنا التي نعبدها خير ؟ أم محمد فنعبد محمدا ؟ ونترك آلهتنا ؟ . وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ بن كعب : أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هَذَا . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة أن في حرف أبي بن كعب وَقَالُوا أآلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذا يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : بل عني بذلك : آلهتنا خير أم عيسى ؟ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وَقالُوا أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هُوَ ؟ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ قال : خاصموه ، فقالوا : يزعم أن كلّ من عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزير والملائكة هؤلاء قد عُبدوا من دون الله ، قال : فأنزل الله براءة عيسى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أآلِهَتُنا خَيْرٌ قال : عَبَدَ هؤلاء عيسى ، ونحن نعبد الملائكة .
وقوله : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ . . . إلى فِي الأرْض يخْلُفُونَ . وقوله تعالى ذكره : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلاً يقول تعالى ذكره : ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ يلتمسون الخصومة بالباطل .
وذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما ضَلّ قَوْمٌ عَنِ الحَقّ إلاّ أُوتُوا الجَدَلَ » . ذكر الرواية ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يعلى ، قال : حدثنا الحجاج بن دينار ، عن أبي غالب عن أبي أُمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما ضَلّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كانُوا عَلَيْهِ إلاّ أُوتُوا الجَدَلَ ، وقرأ : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً . . . الاَية » .
حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي وأبو كُرَيب قالا : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا حجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أُمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، عن عباد بن عباد عن جعفر بن القاسم ، عن أبي أُمامة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن ، فغضب غضبا شديدا ، حتى كأنما صبّ على وجهه الخلّ ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : «لا تَضْربُوا كِتابَ اللّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، فإنّهُ ما ضَلّ قَوْمٌ قَطّ إلاّ أُوتُو الجَدَلَ » ، ثم تلا : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَل هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ .
والاستفهام في قوله : { آلهتنا خير أم هو } تقريري للعلم بأن النبي يفضل عيسى على آلهتهم ، أي فقد لزمك أنك جعلت أهلاً للنار مَن كنتَ تفضله فأمرُ آلهتنا هيّن .
وضمير الرفع في { ما ضربوه } عائد إلى ابن الزبعرى وقومه الذين أعجبوا بكلامه وقالوا بموجبه . وضمير النصب الغائب يجوز أن يكون عائداً إلى المثَل في قوله : { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } ، أي ما ضربوا لك ذلك المثل إلا جدلاً منهم ، أي محاجة وإفحاماً لك وليسوا بمعتقدين هَوْن أمر آلِهَتِهِمْ عندهم ، ولا بِطالبين الميزَ بين الحق والباطل ، فإنهم لا يعتقدون أن عيسى خير من آلهتهم ولكنهم أرادوا مجاراة النبي في قوله ليُفْضوا إلى إلزامه بما أرادوه من المناقضة .
ويجوز أن يكون ضمير النصب في { ضربوه } عائداً إلى مصدر مأخوذ من فعل { وقالوا } ، أي ما ضربوا ذلك القول ، أي ما قالوه إلا جَدلا . فالضرب بمعنى الإيجاد كما يقال : ضرب بيتاً ، وقول الفرزدق :
والاستثناء في { إلا جدلاً } مفرّغ للمفعول لأجله أو للحال ، فيجوز أن ينتصب { جدلاً } على المفعول لأجله ، أي ما ضربوه لشيء إلاّ للجدل ، ويجوز أن يُنصب على الحال بتأويله بمجادلين أي ما ضربوه في حال من أحوالهم إلا في حال أنهم مجادلون لا مؤمنون بذلك .
وقوله : { بل هم قوم خصمون } إضراب انتقالي إلى وصفهم بحب الخصام وإظهارهم من الحجج ما لا يعتقدونه تمويهاً على عامتهم .
والخَصِم بكسر الصاد : شديد التمسك بالخصومة واللجاج مع ظهور الحق عنده ، فهو يُظهر أن ذلك ليس بحق .
وقرأ الجمهور { آلهتنا } بتسهيل الهمزة الثانية . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي بتخفيفها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.